24-11-2021 10:22 AM
بقلم : احمد عبدالباسط الرجوب
البداية من جناح دولة الامارات العربية في معرض اكسبو دبي 2021، فقد وقع وزراء من الدول الثلاث (الاردن والامارات ودولة الكيان) وبرعاية واهتمام أمريكي، حيث حضر التوقيع المبعوث الرئاسي الأمريكي لشؤون المناخ جون كيري ،.. وقعوا اتفاقاً أولياً في دبي الاثنين (22 نوفمبر/ تشرين الثاني)، تم الاعلان فيه عن نوايا هذا المشروع النموذجي الذي يطمح لتطبيع العلاقات السياسية لهذه الدول، وتوفير الاحتياجات الأساسية لها في الماء والكهرباء، بشكل تعاوني،.. ووفق وسائل الاعلام العبرية – اتت هذه المذكرة بعدما توصل الأردن والكيان الصهيوني إلى اتفاق بدعم وتمويل إماراتي ورعاية من الإدارة الأميركية والتي تنظم التعاون في مجال مواجهة التهديدات المناخية بين الدول الثلاث والتي تنص على بناء محطة ضخمة للطاقة الشمسية في الصحراء الأردنية لتوليد الكهرباء لصالح دولة الكيان وفي المقابل، سيتم إنشاء محطة تحلية لتوريد 200 مليون متر مكعب من المياه إلى الأردن للأردن على ساحل البحر الأبيض المتوسط وكذلك مبادلة الجانب الآخر بــــــ 600 ميجاواط/ساعة من الكهرباء المولدة عبر محطة الطاقة في صحراء معان بالأردن والتي ستقوم على انشائها شركة مصدر الاماراتية ...
وفي تقديرنا أن الولايات المتحدة لطالما حرصت على ربط الأطراف العربية ودول المنطقة بدولة الكيان عبر مشاريع إستراتيجية تتعلق بالطاقة والمياه، وهو ما حرصت عليه الادارات الامريكية المتعاقبة من ترامب مرورا بالرئيس الحالي بايدن بتسويق مشاريع الاستثمارات الاقتصادية لدولة الكيان الصهيوني كثمرة نتاج للاتفاقيات الابراهيمية ما بين بعض الدول العربية ودولة الاحتلال الصهيوني ، وهم شركاء السلام (الإمارات والمغرب والبحرين وأمريكا وإسرائيل)، وحسب ما تعلنه الادارة الامريكية بان هذه الدول آثرت بان تجاوز الأجواء الاحتفائية، إلى استثمار ثمار السلام حسب زعمهم، والتأسيس عليه لوضع خارطة طريق من أجل النهوض بمستقبل المنطقة وبالنتائج السياسية والتنموية والاقتصادية والعلمية للعلاقات الثنائية بين الدول الأطراف في تلك الاتفاقيات، بما يسهم في تحقيق الازهار والتنمية لشعوب تلك الدول، ويدعم أمن واستقرار المنطقة في الوقت نفسة على اعتبار ان التوقيع على تلك المذكرة في اكسبو دبي لتبادل المياه والطاقة بين الاردن ودولة الكيان الصهيوني من قطاف دعوات ابراهيم عليه السلام...
لقد باتت تخيم أجواء الصراعات السياسية على مصادر المياه الرئيسية في المنطقة فضلاً عن المناخ القاحل الذي تعيشيه أغلب بلدان المنطقة، تكثر الأسئلة حول أي مستقبل ينتظر بلادنا المهددة بالعطش ووصولنا إلى مرحلة ما دون الفقر المائي؟، إضافة إلى أي دور يمكن أن تلعبه التكنولوجيا في حماية الأمن المائي الاردني؟، هل خيارات الاردن تضيق أمام أجراس "شح المياه"؟.. وهنا لا بد من الاشارة الى "العلاقة المعقدة بين ندرة المياه والأمن الغذائي" والتي تعمّق من الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لأزمة المياه في الاردن ...
وفي معرض ما قدمنا اليه حول مذكرة تفاهم اكسبو ، وفي اطار برامج الاستدامة المائية في بلادنا لمواجهة التغييرات المناخية وشح المصادر والزيادة السكانية ، فقد أعلنت وزارة المياه والري الأردنية، عن إطلاق المشروع الوطني الناقل للمياه من" البحر الأحمر " (مشروع العقبة – عمان لتحلية ونقل المياه)، كأضخم مشروع للتزود بالمياه في تاريخ الأردن، والذي سينفذ من خلال نظام التعاقد (BOT – البناء والتشغيل ونقل الملكية)، بالشراكة مع القطاع الخاص والمقدرة قيمته الرأسمالية بمبالغ يتراوح " 1.5 - 2 مليار دولار امريكي ، وفي التفاصيل فإن نطاق عمل المشروع يهدف لتحلية المياه في خليج العقبة بطاقة 350 مليون متر مكعب سنوياً، في المرحلتين الأولى والثانية، من خلال ناقل وطني جديد في موازاة خط نقل مياه الديسي (في حرم مسار الخط الناقل لمياه الديسي العامل حاليا) الامر الذي يعطي وزارة المياه اريحية في تنفيذ الخط الوطني ويغنيها عن الاستملاكات واثمان الاراضي " توفير مبالغ طائلة " لتنفيذ هذا المشروع الوطني مدار البحث …
يعد مشروع الناقل الوطني مهما للتزويد المائي في الاردن، كونه لم يتبق لدينا بدائل للتزود بمصادر مائية، آمنة ومستدامة من داخل الحدود الوطنية إلا عبر تحلية مياه البحر الأحمر ونقلها إلى المحافظات المختلفة لتعويض الارتفاع المتزايد في الطلب على المياه، خاصة مع إندثار فكرة مشروع ناقل البحرين الاقليمي ( Red Dead Conveyor) .
بلادنا تواجه تحديات تفرضها الندرة المائية والتي تتطلب مجابهة سريعة وجدية، وأن التصدي لتحديات المياه دون إبطاء من شأنه تعزيز قدرة الحكومة على إدارة مخاطر الأزمات المحتملة التي يمكن أن تنشأ عن تقاعسنا عن التحرك، من انهيارات اقتصادية ليست في الحسبان، واصبحت بلادنا مهددة بالاستخدام غير المستدام للمياه، حيث تجاوز أكثر من نصف عمليات سحب المياه الحالية الكمية المتاحة طبيعياً. وعلى المدى البعيد، قد يكون لذلك عواقب وخيمة على نمو البلاد واستقرارها ،ولذلك فإن التوصل إلى حلول لتضييق الفجوة بين العرض والطلب على المياه يُعد من الأولويات العاجلة... وهنا السؤال الاستراتيجي : هل تداهمنا "كارثة مائية محدقة في المستقبل القريب" ؟.. وهل اسعفنا اكسبو لتدارك الأمر سريعاً؟..
صفوة القول ..
1. تحتاج مؤسسات قطاع المياه في الأردن إلى التركيز على مشاريع وطنية جديدة على شاكلة ونمط المشروع الوطني الناقل للمياه ، حيث يساعد بسدّ جزء من عجز ونقص المياه التي تعاني منها مناطق متعددة في المملكة بحلول مائية مستدامة والحد من انخفاض مستوى المياه الجوفية التي حذرت منها دراسات دولية متقدمة ويوفر مصادر جديدة مستدامة وتنفيذ مشاريع مائية كبرى خاصة انه يعزز الاحتياط المائي في ظروف الازمات المفاجئة وخير مثال ما اتت عليه جائحة كورونا من ظروف استثنائية من توفير المياه والغذاء والدواء، حيث اصبح من الضروري توفير كميات احتياطية من المياه الامر الذي يعزز من قدرة المنظومة المائية لاستيعاب توقف اي من المصادر المائية، والتخفيف من حدة الشكاوى وعدم توليد ازمات مجتمعية…
2. نقول وبصراحة فإن العمل الجماعي بين البلدان وعبر الحدود يمثل أمراً ضرورياً، إذ يُعتبر العمل الجماعي والشراكات أمرين ضروريين بالنظر إلى نطاق التحديات وتشابهها، والطابع العابر للحدود لمسائل مهمة مثل تغير المناخ والموارد المائية المشتركة ، ولكن ذلك اذا تبنته علاقات حسن جوار لا يعتريها الخدعة والمرواغة وتبييت مكامن الغدر العدوانية تحت المياه الراكدة ، وبخلاف ذلك نكون قد ارتهنا لصالح دولة لا تراعي المواثيق والعهود، مما يشكل خطورة كبيرة على الأمن المائي الأردني وخطرا وجوديا على بلادنا.. وكمثال على ذلك، مشروع الانبوب الناقل، الذي يصل بين البحر الأحمر والبحر الميت والذي كان سينقذ البحر الميت من التقلص وسيمكن الأردن من انتاج مياه صالحة للشرب، وبالرغم من توقيع الاتفاقية في عام 2013 فلم يرى هذا المشروع البيئي الهام النور.
ختاما ... نثمن عاليا جهود وزارة المياه والري ، وننحني احتراما لكل القائمين على ادارة قطاع المياه في بلادنا الاردنية لمعرفتنا بالجهود الخيرة التي يبذلونها راجيا لهم التوفيق ولجميع موظفي الدولة التي نتفيأ ضلالها لتحقيق التقدم والازدهار وفقا لرؤية سيد البلاد جلالة الملك عبد الله الثاني حفظة الله.
باحث ومخطط استراتيجي اردني
arajoub21@yahoo.com