10-02-2021 02:36 PM
بقلم : رايق عياد المجالي/أبو عناد
لو كنا لآ نزال نسكن بيوت العز والكرم (بيوت الشعر) لأنزلت (وٌسّطَ) البيوت و (كٌفَتْ) الدلال وسكبت على النار و(تَلَصّمَ) الرجال كل الرجال، لكن بيوتنا الآن حجارة باردة صامتة لا تختلف عن حجارة القبور فلا جرن يدق مطلع النهار ينبه الصمت ويوقظ الدفء ولا قهوة تحمس لضيف غير معروف ولا دلة تنتصب في إنتظار أن تسلم على (الاجاويد) وترحب وتؤمن وتعطي كل ذي حاجة حاجته...!
لمثلك يا أبا سهل كانت تنكس البيوت والدلال ورؤس الرجال حزنا عندما كانت البيوت والقهوة والرجال تعرف معدن الرجال وحجم الفقد وعندما كانت كل الأشياء تشعر وكل الطرقات والسهول والجبال تشيع من جابوها حبا وفخرا ونزفوا العرق والدماء وكحلوها أمجادا فعرف العالم أسمائها حيث مسقط الرأس وملاعب الصبا وأماكن الدرس..!
يا أبا سهل وإن كانت الكرك اليوم بلا بيوت شعر لكن طرقاتها وسهلها وجبلها وكل الرجال تنعيك لشيحان وتنتحب، وهي اليوم - تلك التضاريس وتلك القلوب - عيون شاخصة تراقب الدرب الذي سيمر به الجسد مودعا الوطن والكرك بعد عمر ناهز الوطن.
يا باشا... كل الرجال بعد الغياب تكتب لهم المرثيات فتذكر المناقب وتستثير النحيب، لكن من مثلك لا غياب لهم بل مغيب، فالشمس تغادر كبد السماء ساعات ثم تعود ساعات والرجال الذين بلغوا سنام المجد تصبح ذكراهم وسيرتهم في الأذهان على مر الزمان كدورة مغيب الشمس وظهورها دورة لا تنتهي حتى يرث الله الأرض وما عليها...!
يا باشا..كثر الذين يتقنون كتابة الرثاء للرجال فكل الرجال يموتون ولكن كيف لنا أن نجد من يستطيع أن يرثي الهيبة وكيف يرثى ما لا يموت...؟!
معالي الباشا... نودعك اليوم جسدا لكننا نستقبل كتاب وطن كتبت صفحته الأولى والأخيرة في الياروت وكنت أنت القلم الذي خط السطور حتى نفذت من العيون القدرة على القراءة لكن المداد فيه لم ينفذ، كتابا سنعاود القراءة فيه ومنه وسنواصل التعلم كيف أتقنت حب الأرض إنتماء لا إرتماء..!
وداعا أبا سهل... وداعا يا أجمل مرابحنا وما ربح الوطن دهرا ويا أعظم خسائرنا اليوم زعيما وشيخا وفارسا ورجلا.
رحمك الله وغفر لك وأسكنك فسيح جناته وعظم الله أجرك يا وطن.