30-01-2021 09:53 AM
بقلم : مشعل بني خالد
لقد كفل الدستور الاردني حق حرمة المراسلات حيث ذكر ذلك في عدة محافل منها الدستور والقوانين والانظمة المختلفة وكذلك العديد من الاتفاقيات الدولية التي شارك بها الاردن حرمة المراسلات وخصوصيتها
حيث ذكر في المادة السابعة من الدستور 7/2: كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة أو حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون
فنلاحظ من هذه المادة ان الدستور قد كفل ونص على حرمة الحياة الخاصة للاردنيين وان اختراق هذه الخصوصية جريمة معاقب عليها قانونا،
فهل هذا القيد يجري على اطلاقه بحيث لا يمكن للحكومة ان تخترق خصوصية المراسلات الرقمية بكافة انواعها سواء الاتصالات او المراسلات او غيره؟
في حقيقة الامر انه بالرغم من هذا التقييد الا ان مواد اخرى سنعرج عليها خلال البحث قد وضحت الألية الناظمة لصلاحية الحكومة واجهزتها الامنية والقضائية في الرقابة على من يشتبه ضلوعه في امر مخالف للقانون وسنوضح الالية بالتفاصيل خلال دراستنا لهذا المقال.
فنلاحظ انه بعد ان جرى هذا القيد المذكور في المادة السابعة من الدستور على اطلاقه، جائت المادة الثامنة عشر لتخفف هذا القيد وتفصله اكثر
بحيث نصت المادة الثامنة عشر من الدستور على انه "تعتبر جميع المراسلات البريدية والبرقية والمخاطبات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال سرية، لا تخضع للمراقبة أو الإطلاع أو التوقيف أو المصادرة إلا بأمر قضائي وفق أحكام القانون"
فنلاحظ هنا ان الدستور قد كفل فعلا خصوصية المراسلات والحياة الخاصة للافراد، لكنه سمح باعتراض هذه المراسلات في حال كان هنالك مسوغ قانوني حصره المشرع الدستوري بلأمر القضائي، بحيث لا يسمح بخرق هذه الخصوصية الا اذا وجد امر قضائي يخول بذلك
وفي الحقيقة فقد وفق المشرع بوضعه هذا القيد او الشرط –الامر القضائي-، فلو لم يسمح المشرع لخرق خصوصية المجرم لجعل ذلك الامر المراسلات ملاذا امنا للتنصل من المسؤولية الجنائية من قبل المجرمين، وبالمقابل لو ترك الامر على اطلاقه بحيث يسمح لأي جهاز امني بالتنصت على المراسلات لكان ذلك خرقا صارخا لخصوصة الافراد وحقهم بحرية التعبير ضمن حدود القانون وقد يشكل ايظا انتهاكا لشرفهم ومكانتهم الاجتماعية في حال اذاعة ما تم اعتراضه.
لذا وكون المشرع قد اشترط وجود امر قضائي للسماح بخرق خصوصية الفرد واعتراض مراسلاته الرقمية والورقية، فأنه قد اتخذ الحل المتوسط الانسب بحيث يضمن ان لا يتم التعدي على خصوصية افراد بشكل متعسف ويضمن في ذات الوقت عدم افلات المجرمين من العدالة.
فما هي الشروط الناظمة لهذه العملية؟
لنتمكن من فهم الالية سوف نغطي الالية القانونية في الاردن اولا، وثانيا نعرج على بعض من التطبيقات القانونية ومنها تطبيق واتساب وغيره من التطبيقات والاجهزة التي تسمح باعتراض او سحب سجلات المكالمات او المراسلات.
اولا الشروط الناظمة لالية الاعتراض:
1. ان يكون هنالك امر قضائي، فحسبما رأينا في المادة الثامنة عشر من الدستور ان المراسلات بكافة انواعها خاصة ولا يجوز اعتراضها الا بأمر قضائي صادرا حسب الاصول المرعية.
حيث تنص المادة 348 عقوبات
" يعاقب بناء على شكوى المتضرر بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبالغرامة مائتي دينار كل من خرق الحياة الخاصة للآخرين باستراق السمع أو البصر بأي وسيلة كانت بما في ذلك التسجيل الصوتي أو التقاط الصور أو استخدام المنظار، وتضاعف العقوبة في حال التكرار"
2. ان لا يفشى المحتوى الذي تم اعتراضه للعامة، وانما يتم حصر الاطلاع عليه بالجهات المقدمة للطلب سواء اكانت امنية ام قضائيا وبشكل يراعي القوانين والانظمة الخاصة بتلك الجهة
حيث نصت المادة 65/ب من قانون الاتصالات "لا يجوز نشر او اشاعة مضمون الرسائل التي تم التقاطها في معرض تتبع مصدر الرسالة بموجب الفقرة أ من هذه المادة ويعاقب الموظف الذي يقوم بنشر او اشاعة مضمون تلك الرسائل بالعقوبات المقررة قانونا"
وكذلك المادة 76 من ذات القانون بحيث يعاقب الشخص من شهر الى ستة شهور و/او 200 دينار.
3. ان يكون هنالك مصلحة مباشرة مرجوة من اعتراض المراسلات،
بحيث لا يجوز اعتراض مراسلات اي شخص بأمر قضائي فقط ودون ضوابط اخرى، وانما يجب ان يرتبط هذا الامر القضائي بوجود حاجة ملحة وفائدة ومصلحة مرجوة من هذا الامر، وان تكون البينة الممكن انتاجها من هذا الاعتراض بينة منتجة في القضية المنضورة او المسألة الامنية الجاري مراقبتها ومثال ذلك محاولة اعتراض مراسلات هاتف ارهابي معروف يشتبه بتخطيطه لتفجير وشيك مثلا، او شخص يتم التحقيق باشتباه ضلوعه في عصابة متفرقة جغرافيا تنقل المخدرات بالترانزيت من دولة لاخرى مرورا بلاردن مثلا
فهنا نلاحظ ان هنالك مصلحة مباشرة مرجوة وممكنة من هذا الاعتراض، فامكانية ان يتم فك لغز عصابة مخدرات ذات صبغة عابرة للدول امر مسوغ قانونا لاستصدار امر قضائي باعتراض المراسلات والمصلحة الممكنة من الامر واضحة جدا، وكذلك الامر بالنسبة لشخص ارهابي مثلا وغيره من الامثلة على المصلحة.
اما اذا كان امر الاعتراض عبثي وانتفى به احد الاركان فأن من قام به سيعرض نفسه لعقوبات مسلكية تصل لانهاء الخدمات للقطاع الامني والعسكري لفئتي المرشح والجندي.
هل يجوز اعتراض مراسلات الواتساب اذا تحققت الشروط اعلاه؟
في الحقيقة ان التطبيق ذاته يعمل بطريقة مشفرة (end-to-end encryption)
بحيث لا يمكن لمقدمي خدمة واتساب اعتراض الرسائل بصفة عامة، ولكن اذا تقدمت الجهات الحكومية المختصة بطلب حسب الاصول، كأن يتم ارسال الطلب عبر الايميل المخصص بالدائرة الامنية المسجل مسبقا، وان يتم ارفاق الهوية العسكرية لمقدم الطلب، وان يتم توضيح المصلحة المرجوة واضافة على كل ذلك يجب ان يرتبط كل ما سبق بأمر قضائي كما وضحنا مسبقا،
وهذه الشروط العامة للتمكن من اعتراض الرسائل والصور على تطبيق واتساب والامر يسري بطبيعة الحال على كل وسائل التواصل الاجتماعي الاخرى فيسبوك انستاجرام ماسنجر الخ...
الحالة الاخرى تكون باستخراج نسخة بعد الحصول على الهاتف يدويا
فمثلا شخص قبض عليه بجريمة ما وبتفتيش هاتفه عثر على ادلة جرمية، يتم بناء على امر قضائي اخذ هاتف الجان او الجانح الى الجهات الامنية المختصة، ثم يتم اخذ المعلومات باستخدام جهاز يسمى (cellebrite) المقدم من الشركة الاسرائلية (ufed)
وهذا الجهاز يستخدم من قبل اغلب الاجهزة الامنية في العالم ومن ضمنها الاردن، لسحب المستندات والمحدثات والملفات من على الهاتف بصورة مباشرة، اي بوجود الهاتف ووصله بالجهاز وليس عن بعد
ويمكن للجهاز المذكور سحب اي بينة موجودة على الجهاز تقريبا حتى لو كان مقفلا برمز سري
وهذا الى هنا كله عمل قانوني وضمن الايطار القانوني، لكن هنالك شركة اسرائيلية اخرى مختصة بقطاع الامن السيبراني انتجت تطبيق اسمه بيغاسوس (Pegasus)
وهذا التطبيق يتم استخدامه عادتا من مخابرات الدول، وهو ليس بحاجة لامر قضائي او اي شي اخر يكفي رقم الهاتف او الاي بي ادريس الموصول عليه الجهاز
فقد كان في بدايته يخترق الهاتف عن طريق ارسال رابط وهمي وبمجرد الضغط عليه يتم اختراق الجهاز بشكل تام والوصول لكافة البيانات الموجودة عليه بما فيه الكاميرا والميكروفون والارقام والمحادثات وغيره
اما الان فقد تطور التطبيق واصبح لا يحتاج لأرسال رابط، فقط معرفة رقم الهاتف او الاي بي ادريس ويتم اختراق الهاتف ببساطة ومراقبته وكأنه ما بين يديك، لكن هذا الامر غير معترف باستخدامه في الاردن لكونه غير قانوني اولا، ولكونه مكلف جدا على الخزينة حيث تتجاوز كلفته المليون والنصف دولار والهدف من ذكره توضيح الانتهاك الصارخ الذي قد يشكله هذا التطبيق لكافة القوانين والانظمة والاتفاقيات الدولية، فذكره جاء لتوضيح مدى هشاشة الخصوصية التي نواجهها اليوم في مراسلاتنا.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
30-01-2021 09:53 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |