23-12-2020 08:47 AM
بقلم : احمد عبد الباسط الرجوب
في اطار برامج الاستدامة المائية في بلادنا وبما يتوافق مع الاستراتيجية الأردنية الوطنية للمياه لمواجهة التغييرات المناخية وشح المصادر والزيادة السكانية ، فقد أعلنت وزارة المياه والري الأردنية، عن إطلاق المشروع الوطني الناقل للمياه من "البحر الأحمر" (مشروع العقبة – عمان لتحلية ونقل المياه)، كأضخم مشروع للتزود بالمياه في تاريخ الأردن، والمقدرة قيمته الرأسمالية بمبالغ يتراوح " 1.5 مليار الى ملياري " دولار امريكي ، وفي التفاصيل فإن نطاق عمل المشروع يهدف لتحلية مياه العقبة بطاقة 350 مليون متر مكعب سنوياً، في المرحلتين الأولى والثانية، من خلال ناقل وطني جديد في موازاة خط نقل مياه الديسي (في حرم مسار الخط الناقل لمياه الديسي العامل حاليا) الامر الذي يعطي وزارة المياه اريحية في تنفيذ الخط الوطني ويغنيها عن الاستملاكات واثمان الاراضي " توفير اموال طائلة " لتنفيذ هذا المشروع الوطني مدار البحث ...
يعد هذا المشروع مهما للتزويد المائي في الاردن، كونه لم يتبق لدينا بدائل للتزود بمصادر مائية، آمنة ومستدامة من داخل الحدود الوطنية إلا عبر تحلية مياه البحر الأحمر ونقلها إلى المحافظات المختلفة لتعويض الارتفاع المتزايد في الطلب على المياه، خاصة مع إندثار فكرة مشروع ناقل البحرين الاقليمي ( Red Dead Conveyor) ، ومن الجدير ذكرة فقد حاز مشروع الناقل الوطني للمياه على جائزة أفضل مشروع استراتيجي للعام 2019 من بين 100 مشروع عالمي، خلال أعمال منتدى قيادة البنى التحتية الذي عقد في ملقا – أسبانيا بمشاركة أكثر من 400 رئيس تنفيذي لشركات عالمية بالتعاون مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتطوير ووزارة البنى التحتية وإدارة المياه الهولندية...
سينفذ هذا المشروع من خلال نظام التعاقد (BOT - البناء والتشغيل ونقل الملكية)، بالشراكة مع القطاع الخاص، يتكون المشروع من نظام نقل مياه البحر ومنشأة لتحلية مياه البحر في العقبة، ونظام نقل المياه العذبة إلى باقي المناطق، حيث ستؤمن المرحلة الأولى 130 مليون متر مكعب سيتم خلطها بمياه الآبار من حقل وادي رم لتأمين المياه العذبة لأغراض الشرب وفق أفضل المواصفات وبطاقة قصوى تصل إلى 350 مليون متر مكعب...
نقدر عاليا للحكومة ممثلة بوزارة المياه التفكير في هكذا مشاريع رائدة عملاقة في بلادنا لسبب بسيط هو التخطيط المسبق لمواجهة الشح المائي في البلاد ، فقد شكلت ندرة موارد المياه المتجددة، مقترنةً بالمعدل الضئيل لتساقط الأمطار ومعدلات التبخر المرتفعة، وضعاً يتسم بنقص مزمن في المياه، وهو ما دفع البلاد إلى تعزيز قدرتها على تطوير مصادر غير تقليدية للمياه مثل تحلية مياه البحر، وإعادة تدوير مياه الصرف البلدية والصناعية لضمان تلبية الطلب المتنامي على المياه في البلاد...
وفي هذا السياق ... كان الاردن يتعرض الى موجات ازمات مياه خانقة وبمعدل كل خمسة سنوات ، ومن خلال اطلاعي ومتابعتي البحثية في مجال التزويد المائي لمختلف مناطق المملكة وتحديدا ازمة المياه في البلاد في العام 1979 عندما كانت مؤسسة مياه الشرب تدير مرفق مياه الشرب في البلاد ، وتلتها ازمة المياه في العام 1984 الامر الذي كان من نتائجة ان تم تأسيس سلطة المياه بديلا عن مؤسسة مياه الشرب وضم سلطة المياه والمجاري في منطة امانة العاصمة لها و كل المؤسسات والادارات التي تقوم على ادارة المصادر المائية وادارة الحفر ، وازمة المياه عام 1987 ، وغير بعيد عن ذاكرتنا ازمة وتلوث المياه الخانقة في العاصمة عمان في العام 1998 ، ولذا تعد إمكانية الوصول إلى مياه آمنة ونظيفة أمرًا بالغ الأهمية لمجموعة واسعة من القطاعات الاقتصادية...
وفي سياق ما قدمتة عن هذا المشروع الحيوي الهام ، فإنه يمكن التعريض الى تأثير ندرة المياه والتي يمكن وصفها بعدم التوافق في التوازن بين العرض والطلب على المياه بعد حساب جميع مصادر المياه التقليدية وغير التقليدية المتاحة في بلادنا، وهو ما يضاعف من قيمة سلعة المياه الأساسية عدة أضعاف، وفي كثير من الأحيان دون أن ينعكس ذلك على سعرها ، وعند تحليل هذه الحالات، يمكننا تحديد العديد من العوامل التي تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه ذات الجودة المقبولة مثل ممارسات الري الجائر، والتصنيع، والتحضر، وتغير المناخ...
يتزايد تعقيد إدارة الموارد المائية في بلادنا بشكل مطرد مع نمو الطلب، وهو ما يفضي إلى ظهور تحديات سياسية وتنظيمية ويمكن التعامل مع إدارة المياه من الزاوية الاقتصادية للتوزيع الفعال للموارد بين المستخدمين على اختلاف استخداماتهم للمياه، وكذلك من الزاوية الاجتماعية، التي تؤكد على أن الحصول على المياه النظيفة بسعر مناسب هو حق أساسي من حقوق الإنسان. وبالتالي، فإن السياسة المائية في جميع أنحاء العالم مستوحاة من مجموعات من تلك المبادئ، مع توجهات الكيانات الحكومية والقطاع الخاص المخصصة عمومًا لإدارتها بدرجات متفاوتة، وهو ما يؤدي إلى ظهور تحديات خاصة. ولتعقيد الأمور، يتأثر استخدام المياه بشدة بالتطورات السياسية في قطاعات الاقتصاد الأخرى، وخاصة في القطاعات الزراعية والصناعية. لذلك، تتطلب الإدارة المستدامة للمياه نهجًا نظاميًا شاملاً تندرج عليه التنبوء المستقبلي ومتطلباته وهى حالة الامن المائي والتي يندرج في سياقها المشروع الوطني الناقل للمياه وهو ما يوصف " قدرة السكان على ضمان الوصول المستدام إلى كميات كافية من المياه ذات الجودة المقبولة للحفاظ على سبل العيش، ورفاهية الإنسان، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية ".
صفوة القول .. ننظر الى اهمية هذا المشروع وبخاصة إنجاز المرحلة الأولى منه ، بأنه سوف يساعد بسدّ جزء من عجز ونقص المياه التي تعاني منها مناطق متعددة في المملكة بحلول مائية مستدامة والحد من انخفاض مستوى المياه الجوفية التي حذرت منها دراسات دولية متقدمة ويوفر مصادر جديدة مستدامة وتنفيذ مشاريع مائية كبرى خاصة انه يعزز الاحتياط المائي في ظروف الازمات المفاجئة وخير مثال ما اتت عليه جائحة كورونا من ظروف استثنائية من توفير المياه والغذاء والدواء، حيث اصبح من الضروري توفير كميات احتياطية من المياه الامر الذي يعزز من قدرة المنظومة المائية لاستيعاب توقف اي من المصادر المائية، والتخفيف من حدة الشكاوى وعدم توليد ازمات مجتمعية...
باحث ومخطط استراتيجي
arajoub21@yahoo.com