13-09-2020 06:57 PM
بقلم : عدنان ابوقاعود
لقد كان للخدمه العسكرية الالزامية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي أثر كبير في صقل شخصية الشباب بتلك الفترة، فقد كانت الخدمة الزامية لكل شاب لمدة عامين ينخرطون فيها مع اخوانهم افراد الجيش العربي ويكتسبون منهم معنى الرجولة والوطنية والتضحيه والفداء وكان الانضباط سمت جيل الشباب بتلك الفتره.
ولقد تشرفت باداء خدمة العلم في عام 1984 ورغم طول هذه الفتره مازلت أتذكر رقمي العسكري وأتذكر اسم المدرب وأسماء زملائي الذين خدموا معي واستذكر المواقف التي واجهتنا اثناء الخدمة. بالفعل فقد كانت فترة خدمة العلم رغم صعوبتها من أجمل الفترات في حياتي واثرت في شخصيتي وأكسبتني صفات لم أكن لاكتسبها لولا هذه الخدمة، فقد تعلمت الانضباط والصبر والتكيف والتعايش مع الظروف واحترام الاخرين وتحمل المسؤولية والاعتماد على الذات وحب الوطن، وساعدتني هذه الصفات المكتسبة في النجاح في حياتي العملية.
بعد وقف التجنيد الاجباري في عام 1992 وما تبعها من اختلاف في التركيبة الديموغرافية للسكان على مر الزمن بعد حرب الخليج الثانية والربيع العربي نتيجة استقبال أفواج اللاجئين من الدول المجاورة وما صاحب ذلك من متغيرات اقتصادية واجتماعية وارتفاع بتكاليف المعيشة واغلاق للحدود والمزاحمة على فرص العمل، ظهرت نتيجة ذلك مشاكل وسلوكيات وظواهر اجتماعية وجنائية واخلاقية جديده وغريبة على المجتمع الاردني مثل ظاهرة الاعتداء على الاطباء والمعلمين ورجال الامن وظاهرة العنف الجامعي والعنف المجتمعي وتعاطي المخدرات والانتحار واعتناق أفكار متطرفة والتراشق بالفاظ غير مقبولة بوسائل التواصل الاجتماعي وتكرار ظاهرة الاعتداء على مصادر المياه وانتشار ظاهرة المقاهى وظاهرة القاء النفايات بالشوارع وأيضاً تراجع قيم التسامح والاحترام وقبول الرائ والراي الاخر، كل هذا بسبب الفقر والبطالة والفراغ الفكري والتقصير بالتربية البيتية وتراجع التربية المدرسية والتطور بوسائل الاتصال والتواصل والفضاء المفتوح وتاثيرها على أفكار الشباب.
ومع أن الحكومه قد ترددت وتاخرت كثيراً باعادة تفعيل خدمة العلم بسبب التكلفة المرتفعة الا انها أصابت باعادة تفعيل الخدمة بهذا الوقت بعد ادراكها أنها يجب ان تتدخل لمواجهة سلوكيات المجتمع السلبية وأن لا تقف مكتوفة الايدي تجاه تزايد نسبة البطالة كما صرح دولة رئيس الوزراء عند اطلاق الخدمة، وتهدف الحكومة من تفعيل الخدمة بحلتها الجديدة الى احتواء فئة عمرية من الشباب ممن لا تنطبق عليهم الاستثناءات ويعتبرون عاطلين عن العمل لتدريبهم وصقل شخصيتهم وتنمية الروح الوطنية لديهم وتهذيب سلوكهم وترسيخ قيم المواطنة وزرع قيم الانتماء لديهم ومن ثم تشغيلهم للاستفادة من طاقاتهم في الخدمة العامة، والايجابي ايضاً ان الاستمرار بهذا المسار في تدريب وتاهيل الايدي العاملة يساهم في احلال العمالة الوطنية مكان العمالة الوافدة.
وبغض النظر عن مبررات الحكومة فان الاهداف الاجتماعية والوطنية المرجوة من اعادة خدمة العلم تفوق التكلفة المادية التي ستكون محدودة وتتجاوز ايضاً حل مشكلة البطاله التي زادت عن 23 % بالنظر الى محدودية العدد المستهدف للتجنيد الذي لن يتجاوز بضع الاف مقارنه بعدد الشباب الذين يدخلون سوق العمل سنوياً. بل ان الاثر الاكبر لاعادة الخدمة الالزامية سيكون في تعزيز الانتماء والشعور الوطني ومعالجة قيم المجتمع وسلوكيات افراده بعد ان تعرضت للصدمات المتتاليه بالسنوات الماضية.
لا يقتصر دور القوات المسلحة بما تملكه من امكانيات ضخمة على القتال فقط بل يتعداه في فترة السلم الى المساهمة في التنمية المحلية من خلال المشاركة ببناء البنية التحتية مثل الجسور والطرق والسدود، وفي هذا المجال أرى أن الحكومة بامكانها استغلال طاقات هؤلاء المكلفين بعد فترة التدريب العسكري في مشاريع استراتيجية وحيوية تهم الوطن وتعزز من مكانته مثل مشروع قناة البحرالاحمر لتوليد الكهرباء وتحلية المياه ومشروع التحريج الوطني ومشروع الامن الغذائي والزراعي ومشروع زراعة الطريق الصحراوي الجديد ومشروع استصلاح أراضي الدولة وجعلها صالحة للزراعة وغيرها من المشاريع التي تحتاج الى أيدي عاملة كثيرة. وبذلك تعالج الحكومة مشكلة الشباب العاطل عن العمل وتخفف من نسبة البطالة وتنجز المشاريع الوطنية بتكلفة أقل وتُكسب الشباب خبرة تفيدهم في حياتهم العملية بعد انتهاء خدمتهم العسكرية، كما أن مشاركة الشباب بهذه المشاريع الكبيره تربطهم بها لحمايتها والمحافظة عليها مستقبلاً. ويمكن الاستفاده في هذا المجال من تجربة الشقيقة مصر التي استعانت بامكانيات سلاح الهندسة بالجيش المصري بحفر قناة السويس الجديدة خلال فترة قياسية مما ساعد برفد خزينة الدولة المصريه بمئات الملاييين من الدولارات.
أخيراً أدعو الشباب الى الهرولة الى ميادين العز والشرف ليستعيدوا الثقة بانفسهم وبهويتهم الوطنية وليتعلموا من الرجال الرجال معنى الرجولة وليهتفوا معاً ( الله – الوطن – الملك ).
عدنان ابوقاعود / خبير ومدرب مصرفي
Adnanabu_qaoud@yahoo.com