03-11-2019 09:52 AM
بقلم :
تناول جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله موضوع الحكومات البرلمانية في اوراقه النقاشية الثانية والثالثة؛ وتمنى جلالته ان نصل إلى اليوم الذي تصبح فيه الاحزاب فاعلة وان تشكل الأغلبية من أعضاء مجلس النواب؛ ليتم تكليفها بتشكيل حكومة برلمانية على غرار الحكومة التي شكلها الحزب الاشتراكي برئاسة المرحوم سليمان النابلسي في عام 1956 كون الحزب حصل على أغلبية مقاعد مجلس النواب انذاك بالرغم من عدم نجاح الموحوم سليمان النابلسي في الانتخابات النيابية.
وقد كثر الحديث في الآونة الاخيرة عن الحكومات البرلمانية ومطالبة بعض النواب باعادة تجربة تشكيل الحكومات البرلمانية كما كان معمول به في بداية عقد التسعينيات الا ان العمل بهذا النموذج من تشكيل الحكومات توقف في عام 1998 في عهد حكومة عبدالسلام المجالي الثانية تكريسا لمبدأ الفصل بين السلطات. وقد اثبتت هذه التجربة عدم نجاحها للأسباب التالية :
أولا : لقد تفشت قضايا الفساد الاداري على مستوى تعيينات الوظائف الحكومية للدرجات الدنيا والعليا؛ حيث سعى كل نائب وزير إلى تعيين مواطني دائرته الانتخابية ومناصريه؛ ومعظمهم على نظام المياومة والعقود؛ مما خلق للحكومات المتعاقبة أزمات ومشاكل في التعامل مع قضايا موظفي المياومة وكيفية تثبيتهم؛ علاوة على ضعف الكفاءات الإدارية والقيادية لأن معظمهم تعين بالواسطة والمحسوبية؛ وترسخت هذه الثقافة في تلك الحقبة لغياب الرقابة على أداء هؤلاء الوزراء النواب.
ثانيا : الأصل في السلطة التشريعية أن مهام عملها ينحصر في الرقابة على أداء السلطة التنفيذية؛ وتشريع القوانين بكل حيادية وتجرد؛ إلا أن الواقع أثبت خلاف ذلك؛ حيث برزت الصفقات التي كانت تتم بين النواب والوزراء لتبادل المصالح فيما بينهم؛ ولذلك في حال توزير النائب سيضعف الدور الرقابي للنائب؛ مما ينمي ظاهرة الفساد بمختلف أشكاله؛ فهل من المنطق أن تقوم الحكومة البرلمانية بتقديم مشروع قانون إلى مجلس النواب؛ وبنفس الوقت؛ تقوم هذه الحكومة البرلمانية التي أعدت مشروع هذا القانون بالتصويت عليه بصفتهم نوابا.
ثالثا : في حال العودة إلى نظام تشكيل الحكومات البرلمانية؛ فإن الحكومة سوف تلعب دور الحاكم والرقيب لأن ختم النائب سيكون في جيبه ولا رقيب عليه؛ وبذلك سيكون حصول الحكومة على الثقة سهل جدا؛ كون معظم الوزراء من النواب؛ وكذلك من الصعب حجب الثقة عنها في حال تقصير الحكومة في أداء واجباتها؛ وتعرضها للنقد الشعبي.
رابعا : إن نجاح هذه التجربة في الدول الغربية؛ لأنها تتم على أسس حزبية متنافسة؛ حزب يحكم من الأغلبية النيابية؛ وآخر يراقب ويعارض الحزب الحاكم في حال عدم التزامه ببرنامجه الانتخابي. علما ان التجربة الديمقراطية الغربية متجذرة منذ مئات السنين؛ وتعمل بحيادية ونزاهة وفق سيادة القانون؛ وخدمة المصالح العليا للدولة بعيدا عن العشائرية والمناطقية والمحسوبيات الضيقة.
خامسا : إن نظام الكتل البرلمانية سوف يعيق أو يؤخر تشكيل الحكومات؛ بسبب الخلاف على عدد الوزارات ونوعها التي ترغب كل كتلة بالحصول عليها كالوزارات السيادية مثلا؛ وكذلك الخلاف بين أعضاء نفس الكتلة لطموح ورغبة كل نائب ان يكون وزيرا.
سادسا : إن تجربة المشاورات التي تمت في عهد المجلس النيابي السابق لاختيار وترشيح رئيس وزراء وتكللت باختيار الدكتور عبدالله النسور لرئاسة الحكومة شابها الغموض والشكوك في دقة الاختيار؛ وأستغرقت وقتا طويلا من الحوار.
وبناء على ما تقدم؛ وبالنظر لعدم فاعلية الأحزاب السياسية وعدم قدرتها للوصول لمجلس النواب بإستثناء حزب واحد لضعف قواعدها الشعبية؛ وعدم قدرتها على استقطاب الجماهير؛ ولإنجاح تجربة الحكومة البرلمانية فإنني اقترح ان يتم تسمية ثلثي أعضاء الحكومة من الوزراء من قبل الكتل النيابية في مجلس النواب على أن يكون هؤلاء الوزراء من خارج المجلس النيابي من ذوي الخبرة والكفاءة والنزاهة؛ والثلث الباقي من الوزراء يتم اختيارهم من رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة.
أما رئيس الحكومة فيتم تسمية وترشيح ثلاثة اسماء من قبل جلالة الملك لمجلس النواب الذي بدوره يقوم باختيار أحدهم من خلال التصويت السري والمباشر من الأعضاء. وبذلك يتم تشكيل الحكومة البرلمانية؛ وبهذا النهج نكون قد كرسنا مبدأ الفصل بين السلطات؛ ورسخنا مبدأ الحكومة البرلمانية بشكل غير مباشر. و أعطينا مجلس دور أكبر في تشكيل الحكومات واختيار الوزراء.