06-07-2025 03:57 PM
بقلم :
سرايا - ليست كل الصدمات متشابهة، فبعضها يترك ندوبًا عميقة لا تندمل بسهولة، خاصةً تلك التي تمس صميم العلاقات الإنسانية والأسرية، فعندما تُكسر روابط الثقة ويُطعن الوفاء، تتولد سلسلة من الأحداث المعقدّة التي لا تقتصر آثارها على اللحظة الراهنة، بل تمتد لتشكّل واقعاً جديداً مليئاً بالتحديات القانونيّة والنفسيّة، يجد فيه المتضررون أنفسهم في مواجهة مريرة مع ماضٍ مؤلم ومستقبلٍ غامض، فمن هذه اللحظة تنهار قلاع الاستقرار وتُلقي بظلالها الكئيبة على جميع أفراد الأسرة، وتفتح الباب على مصراعيه لتضعهم في معارك نفسيّةٍ وقضائيّةٍ شاقة تضعهم ومستقبلهم في مهب الريح، ليواجهوا تداعيات وآلام هذه الخيانة.
وهنا بدأ ينال رجل في العقد الثالث من عمره يروي حكايته بحسرةٍ وألم " كنت متزوّجاً ولدي طفلان وأعيش حياة زوجيّة هادئة ومستقرة، وفجأة وبدون مقدمات انهارت حياتي وتدمر بيتي عندما اكتشفت خيانة زوجتي لي مع خالي بعلاقةٍ غير شرعيّة، وأنَّها كانت تتحدث معه وتلتقيه عندما أكون في عملي، لتبدأ من هذه اللحظة الصاعقة لي ولأطفالي رحلة من العذاب والقهر في أروقة المحاكم."
وتابع ينال حديثه بألم "اكتشف خيانة زوجتي لي عندما جاء خالي ليُخبرني بأنَّه شاهد زوجتي برفقة رجلٍ غريبٍ في السيّارة وأنَّه يجب علي مراقبتها لأتأكّد من صدق روايته، لكنني لم أمتثل إلى كلامه وقمت فوراً بمواجهة زوجتي بما سمعت لتُنكر كلام خالي متهمةً خالي بأنَّه من يتحرش بها ويلاحقها لأكتشف بعد سلسلة من الأحداث وجود علاقة غير شرعية بينهم، وهنا غادرت زوجتي منزل الزوجيّة مصطحبةً معها الأطفال إلى منزل ذويها الذين رفضوا التنازل عن حقوق ابنتهم الشرعية بحجّة أنَّ " الناس بقتلوا وبزنوا وبسامحوا" حيث لم أجد رجالاً حكماء من عائلتها للتحدث معهم؛ فالأب والأخ لم يردوا عن اتصالاتي، وهنا تصدت لي والدتها وأخبرتني بأنَّ زوجتي مقيمة لديها معززة مكرمة وإذا أردت الطلاق يجب أن أدفع لها جميع حقوقها، وبعد الطلاق ستزوجها لرجل أفضل مني وحضانة الأطفال ستكون لها كجدة ولن أراهم إلا بالمحكمة؛ فيما قامت زوجتي مباشرةً برفع قضية نفقة زوجة، وعندما أخبرت القاضي بأنها ناشز ولها علاقات مع رجال هنا كانت الصدمة بأنَّ نفقتها واجبة علي شرعاً ويجب أن أنفق عليها، رغم أنّها قد اعترفت بخيانتها ونشوزها باعتراف مسجّل وموثّق لدى القاضي في المحكمة، وتم حكمي بمبلغ نفقة، وقمت برفع قضيّة شقاق ونزاع للطلاق وقضية إفساد رابطة زوجيّة لملاحقة خالي، لأتفاجأ بأنَّها أصبحت تهددني بمنعي من مشاهدة أطفالي في حال استمراري بالقضيّة."
وأكمل ينال "عندها قمت بأخذ أطفالي منها في موعد الاستزارة ولم أعدهم لها، وعندما امتنعت عن إرسالهم لها، لا سيّما أنَّ الطفلين شديدي التعلق بي ويكرهون التواجد في منزل ذويها، الذي يقع في منطقة شعبيّة وعرة تفتقر للكثير من الخدمات ومتطلبات السلامة وتحيط به الكلاب الضالة، وعندها قامت برفع قضية خطف ضدي تدعي أنني خطفت الأطفال، وتقدّمت ضدي بشكاوى كيديّة أخرى؛ وذلك لسجني وإجباري على التنازل عن الدعوى، لكن القاضي وافق على بقائهم معي وفقاً لعدة معطيات منها ثبوت خيانتها، لحين صدور حكم بالقضيّة التي رفعتها لضم الصغار ولا زالت منظورة في القضاء آملاً أن يُنصفني أنا وأطفالي المساكين."
وختم ينال حديثه" ورغم أنني لا أملك دليلاً على أنَّ هؤلاء الأطفال هم أبنائي فعلاً، حيث أنَّ فحص إثبات النسب (DNA)؛ لا يتم إلا عن طريق المحكمة وهو مكلف جداً، إلا أنني أشعر بمسؤوليّة تجاههم وتجاه حمايتهم من بيئة ستُشوههم نفسيّاً، وتجعلهم يشعرون بالضياع، خاصةً وأنني والأطفال نعيش حالة نفسيّة صعبة جداً بسبب ما صدر من والدتهم، ونعاني من نظرات الناس وكلامهم، وأخشى أن تبقى هذه الوصمة من العار تلاحقهم مدى الحياة، لذا أشعر أنَّهم يحتاجون إلى رعاية خاصة، لا سيّما في ظل ما يتعرّضون له من كلام وانتقادات لا زالوا يجهلون معناها لصغر سنّهم، كما أنني أحاول أن أغيّب عن ذاكرتهم مشاهد خيانة والدتهم لي أمامهم وفي منزلي؛ خصوصاً أنَّهم شهدوا مع هذه الخيانة مشاهد عنف وضرب وشجار بين والدتهم وخالي أثناء غيابي عن المنزل، ورغم أنني لا زلت تحت تأثير هذه الصدمة غير المتوقعة خاصةً أنَّ زوجتي لم يكن يبدو عليها أنّ أخلاقها ودينها قد تسمع لها بارتكاب فجورٍ كهذا؛ حيث كانت تقضي معظم أوقاتها في الصلاة والصيّام للسنن والنوافل، وحثّي على السنن والابتعاد عن الربا، ولو لم تعترف بخيانتها في محضر المحكمة مع إثباتات الصور لما كنت لأصدّق ."
وأنهى ينال حديثه بأسئلةٍ متتالية قائلاً "ولا يسعني في هذا الموقف إلا أن أتساءل من الذي سيُعوضنا أنا وأطفالي عمّا مررنا ونمر به عن هذا الضرر المادي والمعنوي، وكيف لي أن أُحصّل حقي وقضيّة إفساد الرابطة الزوجيّة لا زالت عالقة بسبب عدم حضور زوجتي للمحكمة رغم صدور تعميم بحقّها لامتناعها عن الحضور للشهادة، لأتساءل بدهشةٍ؛ لماذا لا يتم التدقيق أمنيّاً على النساء وتسليمهنَّ للقضاء؟"
من هنا بيّنت الأخصائيّة النفسية الدكتورة شادية خريسات أثر تعرّض الطفل لمثل هذا النوع من الصدمات وخطورة أن يكون شاهداً عليها "عندما يشهد الطفل خيانة أحد والديه، خاصةً من الأم وداخل المنزل، تنشأ داخله مشاعر معقدة من خوفٍ وارتباكٍ وألم، وصراعٍ بين محبته لأمه وعدم فهمه لما يحدث؛ مما يؤدي إلى تراجع شعوره بالأمان والثقة تدريجيًا، وإذا صاحبت الخيانة مشاهد عنف، كتعرض الأم للضرب من شريك خارج الزواج، تتضاعف الصدمة النفسية؛ فالطفل في هذه الحالات يشعر بالخوف والقلق وربما بالذنب، وتظهر هذه المشاعر عبر سلوكيّات مختلفة؛ مثل العزلة، التراجع الدراسي، اضطرابات النوم، أو التبوّل اللاإرادي، وهي رسائل استغاثة لا يجب تجاهلها."
وتابعت خريسات "في مجتمعنا، تزيد وصمة العار من معاناة الطفل، وتؤثر على صورته الذاتية وتقديره لنفسه، خاصةً إذا تحمّل مسؤولية ذنبٍ لم يرتكبه، لذلك، يحتاج الطفل إلى دعمٍ نفسي وبيئة آمنة تساعده على استعادة أمانه وتوازنه، بدلًا من اللوم أو التأنيب، لتأتي أيضاً مسؤوليتنا كمجتمع أن نحمي الأطفال من تبعات قرارات لم يختاروها، ونمنحهم حق التعبير والاحتواء والتعافي، دون حكم أو تجاهل لآلامهم."
وسياقٍ متّصل، في حال ثبوت خيانة الزوجة واعترافها الصريح بذلك، تقوم جريمة الزنا وفقًا لأحكام المادة (282) وما بعدها من قانون العقوبات الأردني؛ ويُعد اعتراف أي من أطراف الجريمة (الزوج، الزوجة، أو الشريك) دليلًا جوهريًا في الدعوى، بشرط أن يكون صريحًا، وطوعيًا، وخاليًا من أي إكراه، وأن يتم أمام قاضي التحقيق أو المحكمة المختصة؛ ويُعاقب على جريمة الزنا بالحبس من سنة الى ثلاث سنوات، كما شدّد المشرّع العقوبة في حال ارتُكب فعل الزنا داخل بيت الزوجية، حمايةً لحرمة الأسرة وحرصًا على كيانها، بحيث تُضاعف العقوبة لتصل إلى الحبس لمدة ثلاث سنوات، سواء أكان بيت الزوجية للزاني أو للزانية." بحسب الخبير القانوني الدكتور أشرف قوقزة.
وأضاف قوقزة "بموجب أحكام المادة (284) من ذات القانون، لا تُباشَر الملاحقة الجزائيّة في جريمة الزنا إلا بناءً على شكوى من الزوج المتضرر، ما دامت العلاقة الزوجية قائمة بين الطرفين، ففي القانون السابق كان القانون يجيز للزوج التقدم بالشكوى خلال مدة أقصاها أربعة أشهر من تاريخ الطلاق. ويُعتبر انقضاء هذه المهلة بمثابة سقوط لحق الشكوى، وبالتالي لا تُقبل أية دعوى تُرفع بعد مضي هذه المدة، إلا أنَّه في ظل التعديلات الاخيرة للقانون فلا تُقبل الشكوى بعد مرور مدة ثلاثة أشهر من تاريخ علم المشتكي بالجريمة، على أن لا تتجاوز هذه المدة في جميع الأحوال سنة واحدة من تاريخ وقوع الجريمة."
وحول تأثير جريمة الزنا للأم على حضانة الأطفال، أوضح قوقزة أنَّ ثبوت ارتكاب الأم لجريمة الزنا أو الخيانة الزوجية لا يؤدي تلقائيًا إلى سقوط حقها في الحضانة، وإنما يتوقف ذلك على ما إذا كان هذا السلوك يُلحق ضرراً مباشراً بمصلحة الطفل المحضون، حيث يُقر قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم (15) لسنة (2019) بأنَّ الحضانة تُمنح لمن هو أحق بها، ما لم تتوفر أسباب قانونية تُسقط هذا الحق، ووفقًا للمادة (171) من القانون ذاته، تسقط الحضانة في حالات محددة، من أبرزها: الجنون أو المرض المعدي، وسوء السلوك أو الفجور الذي يؤثر على مصلحة المحضون، والإقامة في مكان يُخشى فيه على سلامة الطفل دينيًا أو أخلاقيًا، وبناءً عليه، إذا ثبت للمحكمة أن سلوك الأم، كارتكابها جريمة الزنا، يشكل خطراً على أخلاق الأطفال أو تربيتهم أو استقرارهم النفسي، فإنَّه يجوز للمحكمة أن تقرر نقل الحضانة إلى الطرف الآخر، كالأب أو من تراه أصلح لمصلحة المحضون.
وفي الختام، تبقى هذه القصة الصادمة صرخةً مدويةً، تدق ناقوس الخطر وتُلقي الضوء على أثر الخيانة العائلية على الأطفال الأبرياء، وتدعو المشرّع الأردني إلى مراجعة شاملة للتشريعات؛ لضمان صون حقوق الإنسان والطفل، وإنصاف الضحايا في كل مرحلة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
06-07-2025 03:57 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |