02-09-2019 04:24 PM
بقلم : م.نضال عبدالله البطوش
لم أتأخر في رثائك و انما احتاج الألم كثيرا ليطوى فوق الاوراق
اجتمع كل رجال الحي في ذاك العرس الصاخب
الجميع يراقبون المغني و يتمايلون معه و مع ما يعزف حوله من الموسيقى ،شعرت و كأن اسقف الحي تهتز كلما علا صوت غناء الحضور
اجتمع الاطفال في وسط الحفلة يرقصون بكل الوان و انواع الرقص بكل ما فيها من حركات دون ان يتشابه رقص اي منهم مع الاخر و لكنهم مشتركون جميعا بالفرحة و السعادة
لم اكن اطيل الجلوس هناك فسرعان ما اغادر لاعود لابي
خرج جميع من في البيت الى العرس
و بقي والدي وسط البيت على فراشه
كان يقبض بشماله على يمينه و كانها تتوسل من اختها ان تكف عن الألم او تهدئ قليلا ،حتى يتم صلاته
دخلت البيت لاسمع انينااا عاليا فعرفت حينها مما كانت اسقف بيوت الحي تهتز
وما ان دخلت حتى ابتلع انينه و بدا كمن يحاول ان يرسم ابتسامة عل وجهه
قائلا : اتريد ان تشتري شيئاً ، فلم اجيب رغبة مني بالخروج و التلصص على انينه ، متسائل لما تربط دوما الطفولة بالشراء مع انني كنتفي حينها امنى ان ابيعه الشفاء او ان اشتري منه الالم
جعل يفتش في جيوبه كثيرا حتى وجد ما يعطيني اياه غادرت المكان بخطوات الى الخلف نحو الباب
وما ان وقفت بجانب الباب قليلا ، الا و سمعته ينادي اذهب اذهب
انطلقت راكضا نحو البعيد هاربا من اي صوت انين قد يسمع ،اشتريت ما اريد و جلست بعيدا اراقب البيت المهترء ، لألاحظ سقف البيت يهتز من جديد فيبداء قلبي بالبكاء و اتسال لماذا انا و لماذا هو و لماذا لم يقدر له ان يجلس فرحا هناك
جلست اراقب دون ان اتذكر ما الذي اشتريته وما ان كنت قد دفعت ثمنه ام انا صاحب الدكان قد قيده في دفترنا الكبير المهتريء
صرخ باسمها عاليا فما ان جاءت حتى بداء يسبح نحوها متوسلاً ،و بعيون يملئها الياس و الالم ..بدا يحبو نحوها كطفل نحو امه....اللتقطت يده و اعادته للفراش و اخذت تعد له الدواء ،فدفع يدها قائلا :يا لخبث هذا الداء الذي لا يوقفه كيماوي و لا يخففه مهديء.
اتم كلماته وقد لمح طرف راسي يتدلى من خلف الباب كما زهرة تتلصص على ساقيها متى سيأتيها بالماء.....
فرفع راسه قليلا قائلا :تعال
دخلت لاجلس بجواره ليداعب شعر راسي هامسا لامي :اخشى ان لا اراه شابا
اخشى ان يكون موتي القريب عثرة امامه
كما اخشى ان تكون حياتي ان طالت صخرة على قلبه ،،،
حاولت امي ان تجد الكلمات لكنها لم تفلح
فقاطع صمتها بكلامه قائلا : ليس بعد هذه الجمعة شيء ،،،،،، سينتهي كل شيء و ستبدءين انتي بعدها مشوار طويل
بداءت امي تلملم دمع عينيها لتخفيه او تختزنه لايام قادمة
قاطع ما هي فيه من ألم ممسكا بيدها قائلا :انني بعد زواجي بك قد حلمت انك تضعين لي احد عشر كوكبا حولك ساجدين وانتي كالقمر تتربعين على عرش محبتهم و لم ارى نفسي في ذاك الحلم
كانوا يدورون حولك في مسارات منتظمة و لكن ببطيء ....كان الظلام حالك و الشمس قد طمست
و بقوا يطوفون حول كعبتهم حتى اشرقت نورا و خلعت السواد و نشرت الضياء قمرا وهاجا
قاطعَتهُ قمرا و كواكب ؟!!! الا ترى حالنا
الا ترى صغرهم
اي معروف ستصنعه لي اذا ما تركت خلفك بيتا يضج بالاطفال
هل تظن انني استطيع ؟!!!
كلا .....ان مت انت فانا سالحق بك دون تفكير
حينها تركت شماله يمينه و قبض على كتفها بشدة قائلا :ما اخطىء الله لي رؤيا ...و ستستطيعين
ثم قال ليذكرها :الخير في القلوب وليس بين الايدي الا التراب
اصدقي الوعد معي و سيصدق القدر معك
جلست منهارة و قد استوعبت ما يريد قوله قبل ان يرحل
استمعت جيدا لما يقال و انا احاول ان اتلمس يمينه حيث يسكن الألم و ظلم الزمان ،لاتمتم ببعض من اسماء الله
ثم ابتعدت خائفا فحرارة يده تتناقص ببطيء
لتعلن الهزيمة و الانسحاب
انا ذاهب للمستشفى
قاطعته : الا تذكر ما قال الطبيب في اخر زيارة....خذوه الى البيت فلا علاج و لا دواء
اردف قائلا : ليس لأجل هذا و انما لا اريد ان اموت وسط الصغار،فامامهم الكثير ليعانوه
مضى نحو الباب و هو يردد :قضي الأمر
بداءت امي تجهز الملابس لوالدي فاخذ منها الحقيبة قائلا :لا داعي لشيء...امامك امور اخرى لترتيبها فملابس الصغار اولى .... فانا لن امكث هناك ليلةً ...اياكي ان تبكي امامهم ...اجعليهم اقوياء ثم اردف ....قضي الامر
ومنعها من اللحاق به .....قائلا : اعدي لهم عشاءا و ليناموا باكرا فامامهم نهار طويل و عمرا اطول
كنت اراقب كل حرف و كل نظرة و افهمها بسنوات عمري السبع العجاف
انهى حديثه بوصية قصيرة :اريد ان ادفن هنا بجوار البحر و النخيل و ليس بجوار الجبل و الزيتون
غادر البيت باقدام تودع المكان و الزمان و تودعان المشي على الارض
و قفت في منتصف الدار لا ادري االحق به ام اعود لامي
و الجميع يقفون بصمت و امي تولول و تندب حظ بيتها
مشى بثبات و كانه يمسك بجناح ملك الموت ليقوده الى المقصلة
استجمعت قواااي و لحقت به لكنه فجاة اختفى
جلست في زاوية مظلمة احاول استيعاب يومي
و اذني تمتلئان بصوته تخالطه اهازيج عرس الحي
فجاة استيقظت من غفوة مرعوبا مما رايت في حلمي
ذهبت لامي راكظا لاجدها ما زالت تحتفظ بصمتها
و قلت يا امي يا امي انه حلم
لكنها لم تسمع شيء
وقفت و جعلت اشد ثوبها قائلا ارجوك اسمعيني
فوجهت نظراتها الي
فقلت رايتك يا امي تحملين فوق راسك خبزا تاكل الطير منه
ازدادت مشاعر الحزن و ملامح الدهشة على وجهها، قامت لتعد العشاء للجميع ليتسنى لهم النوم و عادت لتجلس وسط البيت في جو يلفه الحزن و يغلفه الاكتئاب......قائلة :ذاك عمر ابوك ينقضي نقرة نقرة ...
تظاهرت بالنوم مراقبا حركات سكونها
جاء اذان الفجر و بدا وكأنه هديل حمام ابيض يطوف حول البيت و يغطي سماءه
و ما ان فرغ الاذان حتى داهمت البيت انباء كانت ك اسراب من الغربان احاط بالبيت و بقلوب الجميع .... نعم لقد قضي الامر ....
بدا كل شيء و كان ابي قد مات
لكن احدا لم يقل شيء
اعدت امي ملابسي و الفطور لزيارته في المشفى
كانت امي تسابق الطريق بقدمين اهلكهما المشي
كان باب المشفى فيه شيئا من الارباك بحضور بعض الاقارب.....بدت الامور و كانه قد قضي الامر
اخترقت امي الجموع دون ان تعطي بالا لاحد وكانها لا تريد ان تسمع شيئا فكل ما سيقال كذب
تقدمت نحو المدخل و عبر الادراج و بابا الى باب
حتى وجدت نفسها امام سرير فارغ
و زميل له داكن البشرة هو الوحيد الذي سمحت له امي بالحديث
قائلة اين عبدالله ،قد جئتكم بالفطور
فرد بشفتان ترتجفان :حملناه ليتوضاء لصلاة العشاء فسقط .
استكمل حديثه بان اخر ما قاله ابي : اتمنى ان يمد بعمري لاتمام صلاتي لكن يبدو ان ملك الموت كان قد ملّ من مرافقتي منذ سنتين
........
خرجت امي من الغرفة و هي تردد وصاياه :اراد قبره بجانب البحر و النخيل و ليس الجبل و الزيتون
جاء صوت من بعيد ....مقاطعا الحديث بل بجانب الجبال و الزيتون حيث ولد
قلت بصوت ضعيف بل بجانب البحر و النخيل
لم يسمع احد ما قلت
ليقاطعني احدهم. بضرورة ان اودع ابي
صمتت امي لتدع الخيار الي
مضينا في الممرات حتى بدءت الممرات تظلم اكثر فأكثر
كانت ممرات ميتة في طابق سفلي ينفث رائحة الموت في كل الارجاء
الى ان وصلنا الى ما يسمى بالثلاجة
كنت اسير بفرح من يعتقد انه قادر على اقناع اباه بالاستيقاظ و العودة الى الدار
بدا وجهه شاحبا اكثر من ليلة الوداع
لامست يديه اللتان اعتدت حرارتهما المرتفعة ، فبدء الخوف يملىء حجرات قلبي ،،،،يداه نائمتان في برد سحيق
فقلت لنفسي هل غادرهما الألم
!!!
اقتربت من وجهه لأقبله لكن عيناه لم تتفتحاا و لم تكترث لقبلتي اليتيمة
حاولت ان اشد على يمينه دون ان يراني احد ،،،
لكني اقسم انه كان يبتسم لي
و افرحني كثيرا ان شيب غرته كان يداعب الهواء
وسار الموكب يشق الصحراء و يملئها حزنا
شمس حارقة و صحراء قد ماتت منذ قرون
و وجوه شاحبة ...و امرءة تهذي بما لا يفهم
و بعض من غربان ذاك الفجر ترافق الموكب
توقفت امي عن العويل هامسة اللي لن يمضي الموكب حتى توقفه الرمال قليلا لتعانقه
وما اتمت كلماتها حتى داهمت الصحراء بترابها حتى انعدمت الرؤية .....
علا نحيب الرياح حتى كاد يقتلع قلوب المشيعين
ثم سكنت و مضى الموكب و امي تهمس اللي ارادت الصحراء عناقه فالصحراء لا تنسى رائحة من سكب فوقها قطرة عرق
يا بني البساتين تنسى اهلها فهم كثر
لكن الصحراء تحتفظ في قلبها بكل دعسة قدم
سيشتد الطوس حتى ينفذ شيء من الرمال الكفن و يستقر في انفه
جعلت
تخالط نحيبها بألحان تلك الرمال التي تلتف حول خصر نخلة بجانب الطريق فتطلق صريرا يؤنس وحدة كل القوافل ..
كان غناءا يملىء قلبها ألما و أسى و هي تحدق بتلك النخلة التي …لا يضرها ما الذي تسرقه الرياح من رمال جذعها تماما … كتلك التي مضت بعمرها برفقة من راح ينزع من طين يديه و يجمل وجهها ….زادها تعسا من بعد فراق..وزادها ألما من بعد نزيف
و صل الموكب حيث اراد ذاك الشيخ و تجمع الكل حوله ،
قاطع مراقبتي لما يحصل رجل طاعن بالسن قائلا لمن هذه الجنازة ؟
فاجبته :ل جسدا نزف قبل ان يجرح
لورد ذبل قبل ان يتفتح
لأبٍ ذهب قبل ان يبرح
لرجل كان يبتسم وهو يذبح
شاب غدرته كل الليالي و عند الفجر كان يصفح
غريبا ما صمت وهو يرسم سور الدار و يشرح
رفاتة هنا في المنفى و قلبه هناك بجانب البحر ينبض و يفرح
ذهب الرجل مسرعا مفجوعا بما سمع و هو يردد بئس اليوم هذا،،بئس اليوم الذي اسمع فيه خبر خلٍ و اخ
عدت بنظري الى ذاك الجمع و بداءت اركض نحوهم مدافعا عنه لا تضعوه في التراب و الا لما تلبسونه ثوبا بهذا البياض حاولت سقطت قمت وقفت متعبا
اراقب الوجوه لاحفظ ملامحها فكل تلك الوجوه كانت غريبة ...
بداء الغروب يقبل و الغربان تزداد وانا بجوار امي وحيدين ليس معنا سوى الوحدة و الغربة و لمسة من برودة يديه
تقدمنا نحو القبر بعد انصراف المشيعيين , جلست بالقرب منه ... اقتربت من طينة الشاهد قليلا و همست له اطمئن فالرفااات هناااا , و الروح ستعود معنا.....هناااااك بجانب البحر و النخيل