10-06-2019 07:41 PM
لا يؤدّي تغيير منهجية و طريقة الحلّ في الرّياضيّات إلى الناتج المطلوب ما لم تتغيّر المعطيات .
الرّؤى جميعها و على كافّة المستويات تتطلّع إلى الحكومة البرلمانية ، و تختلف الإجتهادات في الطريق الموصل إليها لكنّ أقلّ الطّرق أماناً و أعلاها كُلفة هو أقصرها في هذا المقام إذا نشدنا الهدف دون دراسة المعطيات الموجودة على الأرض ، نقاط القوّة و الضَّعف ، القدرة على الإستمرار و الإنتاج .
فنحن اليوم نشهد حالة هلاميّة على مستوى القوى في الأحزاب و الشارع ، إذ لدينا أحزابٌ تمثّل الكمّ على حساب النّوع و هذا واضحٌ في غيابها عن الساحة أو غياب تأثيرها على العامّة ، و حراكاتٌ موسميّةٌ بلا رأسٍ أو مرجعيّة و بلا برامج ، تنادي بمطالب فضفاضة ولا تطرح حلولاً منطقية .
و بإضاءة أكثر على الواقع ، لنفترض أن تلك الحكومة المنشودة قد قامت حقّاً ، و لنُجِب بموضوعيّةٍ على الأسئلة التالية في إطارٍ تجميعيّ حيث كنت قد طرحتها متفرّقة في عدّة مقالاتٍ في مناسباتٍ سابقة :
هل تستطيع حكومة الأخوان المسلمين - مثالاً - إدارة شؤون الدولة مع دول الخليج و الجارة المصرية رغم تصنيفها لدى تلك الدول كـ" جماعة إرهابية " أو " محظورة " ؟ أم أنّنا نرتضي بأن نغامر و نفحص ما إذا كان رئيس الوزراء الأردنيّ - عندها - سيُستقبل في تلك البلدان أم سيُعتَذَر عن إستقباله ؟ و ما أثر علاقاتٍ من هذا النوع المتنافر على مصير الملفات المشتركة كالعمالة المتبادلة و التبادل التجاري و التعليمي و السياحيّ إلى آخر القائمة المُنجَزَة التي إستقرّت بجُهدٍ جهيد و حرصٍ شديد ؟
و هل بمقدور أحزاب اليسار أن تتعاطى بدبلوماسيّةٍ و موضوعيّة مع الأنظمة الليبرالية المسيطرة عالميّاً ؟ فرغم كفاءة منسوبيها في العمل العامّ داخليّاً تبقى مسألة العقيدة نقطة إستفهام على صعيد التحالفات و السياسة الخارجية و لا يُعلَم مدى قبولها لدى المُحيطَين القريب و البعيد و كم سيؤثر ذلك على الدّفة التي تُدارُ بتوازنٍ منذ عقود مع مُعَسكرَين متضادَّين ما زالا يقتسمان النّفوذ و يتنافسان في التوسُّع ؟
و الأهمّ ، كم ستبلغ كلفة إصلاح ما قد يفسد من تلك العلاقات و ما الوقت اللّازم لإعادتها إلى نصابها ؟
أمّا باقي فئات المنظومة الحزبية و التي شكّل بعضها إئتلافاتٍ شكليّة لغايات التجميع ، فما الذي أثبتته من قدرات على صعيد الملفات المحلّية من طرحٍ للبرامج و الحلول و الرّؤى الصالحة للتطبيق ؟
الجواب على جملة الأسئلة أعلاه ؛ لا تسير القافلة دون حصانٍ " لو وضعنا العربة أمام الحصان فلن تسير " ، و المعطيات أساسٌ نحو المطلوب و الترتيبُ هُنا ركنٌ تختلُّ المنظومة بإختلاله ، و إنّنا إذا أردنا حكومة برلمانية فعلينا أن نضمن الحسابات التي تحفظ على أقلّ تقدير ما أُنجِز و إستقرّ من معاملات مع محيطٍ صعبٍ بعضه متنافر و بعضه الآخر متغيّرٌ أو مُرشّحٌ للتغيير ، و عليه ؛ لا بدّ من المكاشفة الذاتية و الإقرار بأن المنظومة المتوفرة الآن لا تخدم الأهداف المرجوّة أو قد لا تحسن التعامل مع الزوايا الحادّة للمحيط صعب المِراس .
إنتخاباتٌ نزيهةٌ تقرر فيها القواعد إفراز الأصلح من التكتلات الفاعلة المؤهلة سيحدث الفارق ، و سيخلق بدلاً من الأقلّية النيابيّة المعارضة أغلبيّة متمكّنة تمثّل كلٌّ منها معارضةً مؤثّرة في القرار .
لم يكتب التاريخ السياسي ناتجاً إيجابيّاً فوريّاً معقول الكلفة لكل التغييرات الراديكالية ، فطالما أن الإجماع مستحيل و الأطماح مختلفة و الرغبات متفاوتة ، يكون على الدّقة أن تلازم الحسابات قدر المستطاع .
لا ننكر على الجميع حقهم في العمل العام ، لكنّ لدينا من لا تتناسب دقّة المرحلة و المصلحة العامّة تسلّمه دفّة الحكومة ، و قد يكون الأنسب في أن تلعب تلك الفئات دور المعارضة التصحيحية الناصحة مرحليّاً طالما أن الوطن و رفعته هي الغاية المنشودة لدى الجميع بصرف النظر عن المواقع .
ربما يكون هذا هو التصوّر الأكثر سلامة و الذي يفرضه المصير المشترك ما لم يظهر من القوى من هو أكثر موائمة للظروف خارج الحسابات أعلاه قبل الإنتخابات المقبلة .
لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا
لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا
لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا