حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,19 أبريل, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 11177

اقتصاديات الحرب ومآلات العدوان الأمريكي على سوريا

اقتصاديات الحرب ومآلات العدوان الأمريكي على سوريا

اقتصاديات الحرب ومآلات العدوان الأمريكي على سوريا

16-04-2018 09:13 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : الدكتور رضوان المجالي

إن المتتبع للعلاقة بين الاقتصاد والسياسة يدرك أهمية تأثير الاقتصاد في تحديد توجهات الدول في سياستها الخارجية؛ ولا سيما أن تفعيل ادوات السياسة الخارجية ترتبط بقدرة الدولة على توظيف امكانياتها الاقتصادية في تعزيز الاداة العسكرية والاقتصادية والاعلامية والثقافية. في تحقيق مصالحها وحماية أمنها الوطني. ففعالية تلك الأدوات ترتبط بمستوى اقتصاد الدولة ومقدار تأثرها بمتغيرات البيئة الداخلية والخارجية.
فالمتتبع للاقتصاد الأمريكي والذي يعتبر بامكانياته وقوته القلب النابض لاقتصاديات العالم الرأسمالي لما يتمتع به من امكانيات اقتصادية وادوات سيطرة وهيمنة ارتبطت بمؤسسات اقتصادية وشركات عالمية ضمنت الصدارة الاقتصادية الأمريكية على الأسواق العالمية، والتحكم بأسعار النفط، وميزان المدفوعات للدول،. في مقابل أن ارتباط السياسة الخارجية الأمريكية بشكل كبير في مؤشرات الاقتصاد الأمريكي قد جعلها تتنوع بأدواتها بحسب طبيعة القضايا والأحداث، الأمر الذي وجد معه أنها قد تلجأ الى شمولية استخدام الأداة العسكرية كما في فيتنام وأفغانستان والعراق ومحدودية الأداة العسكرية كما في يوغسلافيا، والحرب على تنظيم داعش، والضربات العسكرية في سوريا.
واستخدامات الأداة الدبلوماسية من تحركات لساسة أمريكان إلى الاداة الاقتصادية من حصار كوبا والعراق الى عقوبات ايران وكوريا الشمالية... الخ.
ان مقدار تعاطي الولايات المتحدة الامريكية مع الأحداث والقضايا الدولية يرتبط بمستوى وقوة الاقتصاد الأمريكي، وقدرة الولايات المتحدة على تعظيم مصالحها بأكثر المكاسب وأقل الخسائر(zero sum game)، فقد شكلت الحرب على الإرهاب بعد 2001 مصلحة أمريكية لتعزيز سيطرتها على النظام الدولي بعد تهديد مصالحها؛ الأمر الذي دفعها لاستخدام الواقعية التقليدية بكافة جوانبها دون أن يكون للحلفاء اي دور فيها فكان ذلك له الثمن الكبير من احتلال افغانستان والعراق أن شكل استنزافاً لموازنة الدفاع الأمريكي وتأثيراً في الأسواق الأمريكية والعالمية وبشكل خاص أسواق النفط والغاز الذي شهدت على أثر ذلك زيادة في اسعار النفط قفزت إلى أعلى سعر سجل عام 2009 (145) دولار؛ مقابل انخفاض قدرة الدولار، الأمر الذي أعطى مؤشرات خطيرة في الاقتصاد الأمريكي بانخفاض نسبة السيولة في البنوك على الرغم من الإجراءت الأمريكية بعد عام 2004 من تخفيض قيمة الفائدة، الى بوادر أزمة الاقتصاد العالمي قد أدت لأزمة اقتصادية عالمية عام 2008.
ان ادراك صانع القرار الأمريكي بأن مستقبل الاقتصاد الأمريكي وارتباطه بالاقتصاد العالمي، ومدى مصداقية النظام الرأسمالي العالمي أمام تحديات كبيرة، قد تنذر بنهاية النظام الأحادي القطبية، وبروز نظام سياسي واقتصادي جديد. كل ذلك دفع إدارة الرئيس الأمريكي اوباما لإعادة الحسابات فيما يتعلق في الاقتصاد والسياسية، حيث أن قدرة الاقتصاد الأمريكي رغَم هيمنتها على الاقتصاد العالمي أمام تحديات ومشاكل كبيرة، من ابرزها ارتفاع نسبة الدين العام الى أكثر من (5 تريليون دولار)، الأمر الذي اتخذت على اثره مجموعة من الخطوات والتدابير على مستوى السياسة الداخلية والسياسة الخارجية.
قامت إدارة اوباما بتوظيف الأزمة الاقتصادية بتقنين ردود أفعالها في السياسة الخارجية؛ وتقليل تكاليف أدواتها وبشكل خاص الأداة العسكرية؛ فسحبت قواتها من العراق، وتقليل نسبة الانتشار العسكري في العالم؛ واللجوء الى القوة الناعمة؛ من ادوات دبلوماسية وعقوبات اقتصادية دون اللجوء لخيارات مكلفة في استخدامات القوةالصلبة؛ في مقابل اللجوء إلى الأمم المتحدة والحلفاء؛ واستخدامات قوة الطاقة؛ فظهر هذا الأمر في مستوى النظام السياسي الدولي غياب واضح لفعالية الولايات المتحدة الأمريكية ازاء القضايا الدولية كحالة أزمة اوكرانيا وازمات الربيع العربي؛ وبروز دور لفواعل جديدة في النظام الدولي: كزيادة الدور السياسي والعسكري لروسيا في اوكرانيا وسوريا؛ والدور الإيراني والتركي في منطقة الشرق الأوسط؛ وبروز وتأثير الصين الى جانب روسيا في مجلس الأمن؛ والتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود(تنظيم داعش)... الخ؛ اضافة الى بروز صحوة الاثنيات كقضايا تصويت اقليم كردستان واقليم كتالونيا... الخ. في مقابل ذلك توقيع الولايات المتحدة على الاتفاق النووي مع إيران وعودة العلاقات مع كوبا؛ والتوقيع على اتفاقيات دولية كاتفاقية المناخ....
شكلت هذه التغيرات فترة ادارة اوباما انتهاج سياسة واقعية جديدة لا تعتمد على استخدام القوة، بقدر الاعتماد على أدوات اقل تكلفة اقتصادية بأقل خسائر وأكثر مكاسب؛ مما قلل من مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في النظام الدولي.
من جانب آخر فإن مستويات التغير في الاقتصاد الأمريكي كانت محدودة؛ ولم تستطع إدارة اوباما من احداث اعادة الاقتصاد إلى مستوياته السابقة؛ لكنه استطاع أن يقود مركب النظام السياسي والاقتصادي الدولي بأقل خسائر. وعودة اسعار النفط الى التحسن، وتقليل التدخل الأمريكي في الأزمات العالمية، وزيادة نسبة الصراعات المسلحة غير الدولية( الثورات)، لما لها من عوائد اقتصادية على شركات السلاح في الولايات المتحدة.
لكن الناظر للتطورات في السياسة الأمريكية فترة ترامب؛ أن الخطاب الاعلامي التصعيدي؛ قد ارتبط بتأثير الحرب الإعلامية على الاقتصاد؛ ومحاولة الحصول على مكاسب كبيرة وتصفير الخسائر. فكانت محاولات تحقيق التوازن في السياسة والاقتصاد؛ بضرورة اعادة اللجوء الى استخدامات القوة العسكرية وبشكل لا يؤثر على الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير؛ ( أي استخدامات المحدودة للقوة العسكرية: كضربات عسكرية، وانتشار محدود لقوات الَمارينز.، وتدريب قوات موالية، والاستعانة بخبراء عسكريين، او اللجوء لتحالفات دولية على غرار التحالف الدولي ضد داعش) فكانت رؤية ترامب تنطلق في اعادة مكانة الولايات المتحدة كدولة احادية القطبية من خلال:
1. الابقاء على دور الاداة الدبلوماسية وسياسة التحالفات التقليدي.
2. تصعيد الخطاب الإعلامي القائم على لغة القوة لما له من تأثيرات في الاقتصاد.
3. اعادة النظر في الخطوات و الاتفاقيات التي عقدتها الولايات المتحدة فترة تراجعها السياسي( الاتفاق النووي مع ايران واتفاقيك المناخ.. وانهاء التقارب مع كوبا).
وبناء على هذه الرؤية فإن ادارة ترامب سعت لتحقيق مكاسب في سياستها الخارجية مقابل مكاسب في الاقتصاد الأمريكي:
1. التأثير في لغة التصعيد مع دول الصين كوريا الشمالية وروسيا، مقابل خسائر كبير في اقتصاديات تلك الدول؛ يقابلها خسائر محدودة في مؤشرات الاقتصاد الأمريكي.
2. احتواء محاولات دول الصين وروسيا لإحداث تغييرات في الاقتصاد العالمي من خلال تعزيز قيام تكتلات اقتصادية على غرار بريكس وشنغهاي وطريق الحرير، او تفعيل عملاتها لاضعاف الدولار.
3.السعي لابرام صفقات تجارية كبيرة من شأنها تعزيز فعالية الشركات الأمريكية؛ وزيادة هيمنتها على الأسواق العالمية وبشكل خاص أسواق السلاح والنفط والغاز. فسعت لتعزيز علاقاتها مع دول الخليج والاستفادة من ازمات علاقاتها مع قطر وايران؛ والعلاقة مع المملكة العربية السعودية والسعي للاستفادة الاقتصادية منها بأكبر قدر ممكن.
4. اللجوء لمبدأ الاستثنائية التجارية؛ من خلال اللجوء الى السياسات الاقتصادية الحمائية لاضعاف الصين وروسيا اقتصاديا، فاتخذت الادارة الأمريكية سلسلة من الإجراءات الاقتصادية رفعت من خلالها الظرائب والرسوم على الصلب والحديد والالمنيوم لتعزيز الصناعات الأمريكية واضعاف اقتصاديات الصلب والحديد لدول روسيا والصين؛ الأمر الذي يشير برسالة لتلك الدول بأن الولايات المتحدة قد تمتد إجراءاتها لسلع أخرى ولسياسات اقتصادية أخرى. غير مبالية لمصداقية النظام التجاري العالمي إزاء مصالحها.
5.تفعيل دور المؤسسات الاقتصادية العالمية في زيادة تأثيرها في سياسات الدول بما يحقق أهداف الولايات المتحدة الأمريكية. حيث لجأت الى تشديد سياسات صندوق النقد الدولي لتحقيق مصالحها؛ كما في حالة مصر والاردن.
6. التأكيد على أهمية المساعدات الاقتصادية في تحقيق أهدافها حيث هددت بقطع المساعدات عن الدول التي تصوت لصالح القرار الذي يرفض قرار اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل.
7. الاستخدامات المحدودة للقوة العسكرية بما لايؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الأمريكي؛ كالضربة الأمريكية على القاعدة السورية عام 2017 ب (59) صاروخ.
ومن هنا وفي ضوء التحليل السياسي الاقتصادي للسياسة الأمريكية فإن تحليل الضربة الأمريكية الأخيرة على سوريا كنتيجة لاستخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي في دوما تأتي في سياق ما يلي:
أولاً: إن تهديد الرئيس ترامب بعد استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي بأن الولايات المتحدة ستقوم بضرب سوريا قد أدى لانخفاض في مؤشرات الأسواق الأمريكية( اس اند بي وداو جونز وناسداك) وان هذا الانخفاض كان محدودا. ثم عاد وارتفع المؤشر، في مقابل امكانية ارتفاع اسعار النفط عالميا، وكيفية استفادة الولايات المتحدة اقتصاديا من الحفاظ على مؤشر السوق الأمريكية وكسب عوائد ارتفاع النفط للاقتصاد الأمريكي.
ثانيا: محاولات الولايات المتحدة لتغطية تكاليف الضربة؛ من حيث عدد الصواريخ المستخدمة وطول فترة الضربة ومحاولة عدم اللجوء إلى تدخل عسكري مباشر وتجنب مواجهة حلفاء النظام السوري. والحصول على دعم حلفاء واشنطن من بريطانيا وفرنسا والدعم الخليجي والعربي للضربة.
ثالثا: سعي الولايات المتحدة لعدم اطالة فترة الضربة العسكرية لسوريا مقابل تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية؛ وبشكل خاص إنهاء حكم بشار والقضاء على الاسلحة الكيماوية والتي تشكل خطراً لم تستطع التخلص منه سابقاً. وتوجيه رسائل عديدة لحلفاء النظام السوري ( روسيا بما يرد الاعتبار لبريطانيا)، و( ايران بما يرضي المملكة العربية السعودية). و( التنظيمات الإرهابية بما يحقق رغبة فرنسا لأمنها).
رابعاً: سعي الولايات المتحدة الأمريكية لاثبات مصداقيتها والتزامها الايدولوجي والاخلاقي عالمياً ازاء ما يحدث من ارتكاب من اسلحة كيماوية في سوريا؛ تخفيفا لحالة النقد من تحيزها للملف الفلسطيني الإسرائيلي إزاء إسرائيل.
أخيراً فإن اقتصاديات الحرب والسلام تتحكم بها مصالح الدول وقدراتها الاقتصادية ومقدار الاستفادة الممكنة. في الوقت الذي تسعى الدول للابقاء على قدرتها الاقتصادية والعسكرية في حالة تفوق دون أن يؤثر ذلك في خلق ازمات اقتصادية قد يضعف من قدراتها ويجعل الدول الأخرى تتفوق عليها.


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 11177
برأيك.. هل طهران قادرة على احتواء رد فعل "تل أبيب" بقصف بنيتها التحتية الاستراتيجية حال توجيه إيران ضربتها المرتقبة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم