حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,9 مايو, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 27385

ساحة أغراب

ساحة أغراب

ساحة أغراب

19-12-2015 10:03 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : فرح ابراهيم العبدالات
وأخيراَ التقيتُ به، من بعد ما أصبحت عيونه حلما ما عدت أراه الا في منامي، من بعد ما تحوّل حضوره الى ظل انسان ما عدت ألمحه الا تحت شجرة سنديانِ ما فارقت نافذةَ غرفتي من سنينا طويلة ، وأخيرا التقيت به في شارع مزدحمٍ بمركبات غريبة عني و كأنني وُجِدتُ في عالم الدّخلاء أبحث فيه عنه، وأخيراَ التقيت به وسط اكتظاظِ شعبٍ ثائرٍ محتجٍّ غاضبٍ على سياسة و منهجيات حكومةٍ أدمجتهُ بداخلها و أخفتهُ في طيّاتِها، التقيت به و تسارَعَت نبضاتُ قلبي و ما عدت أتحكم بمركبتي و لا بمسارها، تترنّح عن اليمين وعن الشمال تاركةَ ورائًها نفسيَ المهاجِرة الى عالمه ،هاجرتُ بفكري و روحي الى مركبته، جلستُ معه و بجانبه، سألته عن أحواله و عن يده التي نزفت في ذلك اليوم، سألته عن أخباره و رضاه عن المجتمع و الشعوب، استفسرت عن اسم الكتاب الجديد الذي احتضَنته أفكاره و ابتدأ بقرائته و الخوضُ في أحداثه، وسألته عن الكتاب الذي وعدني بامتلاكه، احتفلت بابتسامةٍ رُسِمَت على شفاه هذا الرجل العظيم، عاتبته على عهدِ عاهده لي في يوم التقائنا ، ولم يوفي به، حدّثته عن أحوالي و أخباري و عن كتابي الجديد الذي تحدث عنه و عن تفاصيله، حدثته عن اخر انجازاتي في الحياة و مع الناس، كشفتُ له اسراري التي أخفيتها عن أقرب الناس الي، و استشرته في بعض الحلول لمشكلاتي، التقى جسدي بعطرِهِ المشبع بالرجولة و الخشونه والفخامة، وما ان اشتَمَمتُها ارتفع مقام جسدي بالفور الى جنةُ الله،و لطالما ادعى بعدم اقتنائِه لأي عطر مصنّع، وفي كل مرةٍ كنت أرد عليه بضحكةٍ عفويةٍ تخرج لخفّة ظلٍّ تمسكت بشخصيةِ رجلٍ خُلِق في دنيا الحصافة و الجدية و الرصانة و الوقار، التقى عقلي بعقله الثري بأفكارِ و اكتشافات العالم بأسره، أثار بي ذلك الغرور القوميّ على الشعوب، غرور ينتابني فقط حينما أكون معه،و بجانبه، و كأنني ملَكتُ سيادة العالم كلّه، وكأننا بِتنا من الملوك الأرِسْتُقْراطيّيين الذين ورثوا عن أجدادهم النفوذ و القوة و الجبروت و استخدموه كسلاح على سكان هذه الارض.
التقيتُ به بعد أيامٍ و ليالٍ عَبَرَت أمامَ قَلبي كالسيف والذي استمرّ في تمزيقه إرباً في كل يوم ، قلتُ اني قد ندِمت على أشياءٍ كثيرةٍ منها ثقتي به و ائتمانِه لأموري ولحياتي الخاصة منها، لكنني حينما التقيتُه قمت بالتصالحِ مع هذا الندم والذي تحوّل فجأة الى امتنان وعرفان كبير ، ندمت وقتها على إلقاء همومي عليه و اذ به يعيدها اليّ هموماً مضاعفة ليردَّها على عاتقي بالمقابل ويرحل، لكن حينما هبّت عليّ نسائمَ زفيرِه لهذا الهواء الذي خصّنا وحدنا في مركبته، تحولت همومي الثقيلة والتي ما حَمَلها كاهلي في يوم الى ورقةٍ قد رَست على كتفي بخفّةٍ مطلقة ،لم أشعر بوجودها ابدا، مركبته التي رأيتُها كالجنائن و الحدائق المليئة بألوانٍ و أشكالٍ كثيرةٍ من الورود التي عطّرت بدورها سماءاً حُدّدت مساحَتُها ما بيني و بينه فقط، و قبل وداعي سألته الوصالَ لا الفراق، سألته الودّ لا الضغينة ،اعترفتُ لهُ بسرٍّ صغيرٍ قد احتفظتُ به من مدة قصيرة عِشتُها دهراً بحاله ، انحصرَ في مقولة "لا نعرف قيمة الشيء الذي زُرع بين ايدينا الا عند فقدانه" ودعتُه بمصافحة كًفـّانِ مشتعلانِ بنارِ البعدِ و الاشتياقِ الجبريّ ، ضَغَطَ على كفّي وأناملي كَعادته لعلّه يدّخرُ رصيدا اضافياً من حنيّة و رقّة يدي في جعبته لشهورا و سنينا أخرى ،أو حتى للقائِنا القَدري القادم ،لا أدري ربّما في جامعةٍ أم وسط مدينة اوروبية أم في مطار ما هذه المرة ،وبعد وداعه عدتُ الى مركبتي بعدما استودعته عند ربّ العالمين ، و سألتُ الله لقاءا آخرَ و اعتذرتُ له عن طمع نفسي و ارادتي بالنظر إليه و التواجد بقربه و لو بالوهم مرة تلو مرة، عدتُ الى مركبتي واذ بي واقفة وقوفا تام وسط الشارع وقد زفتني المركبات من خلفي بالمزامير والناس بالصراخ لعلي استيقظ من مشهد وهميّ جمعني به أصابني لدقائق وما صحوتُ منه ، بحثت عنه و عن مركبته في تلك اللحظة فما وجدتُه ، سرابٌ من نوع خاص يأتي ليحتل العقول و القلوب لوهلةٍ و يرحل، و ما أجملها من دقائق،وما اجملها من نهايات ،و تابعت مسيري في ذلك الطريق وحدي ،انا و مركبتي و ساحة أغراب, فقط أنا و ساحة اغراب، نابضةً بالأمل و الرجاء و ايماني بالصدفة التي جمعتني به ،صدفة عن ألف ميعاد،هذا هو الامر كله.


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 27385
برأيك.. هل يوسع الحوثيون نطاق ضرباتهم خارج البحرين الأحمر والعربي بعد تحذير الجماعة واشنطن من استهداف مصالحها بالمنطقة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم