21-07-2008 04:00 PM
يحنو القلم بين أناملي يدعوني للكتابة ،ومن أعماق نفس يحييها صدق المشاعر ودفء الأحاسيس ، نحو الأروع والأغلى والأعز من روحي على روحي ، نحو
الحب والصدق والوفاء والعذوبة نحو الرقة والعطف وكل الحنان نحوك يا من تصنعين سعادتي وتحوين الآمي وهمي ... نحوك يا أمي ...
أي كلمات تلك التي تجرؤ للوصول إلى حلاوة التعبير ... وأي تعبير هذا الذي يخونني دائما" فلا يوفيك حقك ...
أقلامي عاجزة حائرة في وصفك ، لا قدرة لي لإيصال مكنونات نفسي ، سطوري مقفهرة تلاشت أمام سحر حسنك وطيبك ، حروف مبعثرة هنا وهناك لا أستطيع أن ألملمها ...
(( اشتد عوده )) جملة تقال حينما نرى الطفل الصغير قد كبر وصار رجلا" صلدا" يعتمد عليه ...
وها أنا يا أمي أصبحت بفضلك رجلا" يقف أمام معمعة الزمان ، يقف رغم ما جرعته سنينه القاسية كؤوسا" من العذاب ...
معك يا أمي وفي حصنك المنيع انتصرت ... استطعت أن أهزم آلامي .. وأقهر عجزي وقلة حيلتي لأقف أمام ظروف قاسية كقوة الصخور ..
بفضلك استطعت أن أقف دونما أطراف .....
إنه لأخف وطأة على النفس أن يخلق الانسان معاقا" فيتكيف مع إعاقته منذ نعومة أظفاره ...
أما وأن يكون صحيح الجسم فيبتليه الله في صحته (( إنها والله لغصة )) وأية غصة ... الحمد لله على كل حال
كنت في الثامنة من عمري حينما ناداني صديقي معاوية لألعب معه في شارع الحي ... لبيت دعوته غير آبه لصراخ أمي (( لا تذهب يا زيد تعال يا حبيبي ))
ولكن ماذا عن شقاء الاطفال..............
لم أصغ بالا" لنداء أمي ، ولم أعرها أي اهتمام ... فقد كنت شغفا" بكرة القدم ، ورحت ألعب حتى ذهبت الكرة بعيدا" وركضت لإلتقاطها .
وفجأة وجدت نفسي في سبات عميق دام إسبوع ... استيقظت على حشرجة أمي ... ليتني لم استيقظ ...
كنت أنظر في عينيها الذابلتين متسائلا" ما بك يا أمي ؟ لماذا تبكين ؟ ولماذا أنا هنا و.............؟وقبل أن أكمل أسئلتي التفت ذراعاها مطوقة عنقي بحنان حارق ...
لم أرى أمي تبكي بهذه المرارة إلا عندما توفي أبي ... كان عمري آنذاك خمس سنوات لم أكن أدرك معني الموت ... تمنيت وقتئذ أن أحمل كل آلام أمي واسترد ابتسامتها الندية التي سرقتها الاحزان ...
اتكأت على حافتي سريري وهممت لتقبيل عينيها ...أردت الوقوف ترى أين رجلاي ...أخذت أتحسس علني أجدهما ... صعقت بمرارة الحقيقة فقد تعرضت لحادث سير اضطر فيه الأطباء لبتر ساقي ... حينها ادركت سبب هذه المرارة في بكاء الغالية ...
كيف استطيع الوقوف بعد الآن ؟ وكيف سأذهب إلى المدرسة ؟ وكيف سأمارس هوايتي مع معاوية والاصدقاء ؟ وكيف وكيف ؟
لم أجد سوى دموع كادت أن تجف ...
وقفت أمي بجانبي كظلي لا تفارقني تمسح دموعي وتواسي جراحي وتصبرني على ما ألم بي وتذكرني دائما" أن أحمد الله جلت قدرته على كل شيء وأن أرضى بقضاءه جل شأنه ... انتقلت إلى حياة جديدة بت أعتاد عليها يوم بعد يوم ...
صرت أستمد قواي من هذه الأم المثالية وأصبحت أتسلح بسلاح الصبر ، كما كانت تعلمني دائما" ...
كنا في عوز شديد وفقر ... لا معيل لنا بعدما توفي والدي _رحمه الله _ فأنا أكبر إخوتي ... كان لي أخ اسمه رافع كان يصغرني بسنتين ، وكان لي أختين توأمين في السنة الثالثة من عمرهما . اشترت أمي ماكنة خياطة متواضعة ، وصارت تخيط عليها لنساء القرية فلم يكن في قريتنا عمل لنسائها آنذاك فقد تعلمت عليها من جارتنا أم سلمان وأصبحت أمي ماهرة في الخياطة تفوق مهارتها أم سلمان ، وأصبحت جميع النسوة يلبسن مما تخيطه أمي حتى أنها صارت تبيع لنساء العاصمة .
دأبت أمي على إقناعي في إكمال دراستي وإتمام ما فاتني منها ...
سجلتني في مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة في العاصمة وكانت تحملني وتوصلني مع (( العم أبي راشد ))
وكانت مواظبة على متابعة دروسي ، وتشجيعي الدائم لأن أحصل على المرتبة الاولى وكنت دائما" عند حسن الظن ... وفي الثانوية العامة كانت تسهر معي ... تتابعني عن كثب وكأنها أحد طلاب هذه المرحلة ، وتهيء لي جوا" دراسيا" وتقول لي دائما" ((شد حيلك يا زيد علشان تجيب الاول على صفك )) وكنت آخذ بنصائحها وآراها القيمة على الدوام .......
تلك الفرحة التي لطالما تمنيتها وحلمت بها استطعت بها أن أرسم على وجهها الآخاذ ابتسامة حقيقية ابتسامة لا يشوبها حزن ...ولأول مرة منذ سنيــــــــــــــــــــــــــــــــــن ..........
قالت لي أمي (( لازم تدرس جامعة يا ابني معدلك بأهلك ))
ولكن الجامعة مرحلة صعبة كيف سأجتازها ... بقيت أمي المثابرة الاولى حتى تتعدى معي هذه المرحلة الدراسية وبالفعل استطعت و بعون من الله أن أجتازها حتى تخرجت من الجامعة بتقدير ((امتياز))
ليس هذا فحسب بل ظلت تشجعني وتتابعني وتقوي في العزيمة حتى صرت مدرسا" ....
لم أشعر قط بالعجز وأنت معي يا أمي ولولاك ما كنت أنا ذلك الرجل المتفائل المقبل على الحيـــاة ...
تعلمت منك الكثير وصرت أؤمن إيمانا" لا يعتريه شك أن وراء كل رجل عظيم أم لا سيما إن كانت مثلك يا أمـــــــــــــــــــــــــــي ........
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
21-07-2008 04:00 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |