سرايا -
بادرة حسنة أن يتكرم رئيس السلطة القضائية بإجراء المقابلة مع الإعلام و قد تعودنا جميعاعلى التزام قضاتنا بمختلف رتبهم و بحكم مهنتهم أن يكونوا بعيدين عن الاختلاط الزائد لدرجة أن الانعزالية هي الصفة السائدة لديهم مقتدين بالحديث الشريف ( إياكم و مواطن الشبهات ) حيث اعتبرت حركات القاضي محسوبة عليه حرصا على المس بالعدالة شكلا أو مضمونا لدرجة أن أعمدة القضاء في بلادنا الذين هم الآن في ذمة الله كانوا حريصين على الاختلاط حتى بأقاربهم أو أبناء بلدتهم ، و استمر على هذا النهج قيادات القضاة حتى أيامنا هذه و أستذكر هنا رفض رئيس المجلس القضائي الأسبق محمد الرقاد قبول الدعوات الخاصة عند أي محامي أو شخص له قضايا بالمحاكم ، ولكن الرئيس الحالي للقضاء بعد أن عمل لسنوات طويلة مضت في ميدان المحاماة جعلته ينسى ما ينسحب على القضاة و بأن تربية القاضي غير تربية المحامي فالأولى انعزالية عن المجتمع و الثانية تلزمه بالاختلاط الزائد بالمجتمع من خلال ممارستة لمهنة المحاماة خاصة إذا مارس المحاماة بالناحية الجزائية فمعظم موكليه تسند لهم القضايا المعروفة ابتداءا من السرقة و الاحتيال وهتك العرض و انتهاءا بالقتل العمد .
وعودة للموضوع فإنني أذكر رئيس المجلس القضائي بالمادة (94) من الدستور والتي تجيز لمجلس الوزراء أن يضع قوانين مؤقتة عندما يكون مجلس الأمة غير منعقد و هذه الإجازة بإصدار القانون المؤقت فقط في الأمور التي تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير أو تستدعي صرف نفقات مستعجلة غير قابلة للتأجيل .
و هنا أسأل الأستاذ راتب الوزني عن الأمور التي تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير في إصدار قانون استقلال القضاء المؤقت قبل أربعة أشهر من عودة مجلس الأمة للإنعقاد ، فأين المسار الطبيعي القانوني و الدستوري الذي يشير إليه رئيس القضاء بمقابلته ؟ ... مثلما أتسائل عن قوله بأنه لا بد للمجلس القضائي من الموافقة على إصدار القانون بالوقت الذي عرف معظم أعضاء المجلس القضائي عن القانون المتعلق بهم من خلال الصحف و بعد صدوره ؟
ولا أدري ما هو المانع لدى رئيس القضاء من الإعلان أنه تناقش مع المجلس القضائي و أقروا بالأكثرية القانون المعدل مشيرا إلى عبارة معاليه بالرد بعبارته ( كان لا بد للمجلس القضائي الموافقة على إصدار التعديلات ) ؟.... وكأنه افترض من عنده موافقة المجلس القضائي على التعديل و نسب بإسمهم دون أن يستشيرهم و يستطرد بالإجابة على السؤال نفسه قائلا ( في حين لو تأخر إصدار هذا القانون لعدة سنوات لما استطعنا إقرار نظام الخدمة القضائية )
ولا أدري ماذا قصد بعبارة التأخر عدة سنوات و هو يعلم أن خطابه موجه لرجال القانون من قضاة و محامين و بقية السياسيين المثقفين ثقافة قانونية لا تقل عن ثقافة معاليه . أما جواب معاليه عن موضوع ترفيع القضاة من الدرجة الرابعة إلى الثالثة و خضوعهم للمقابلة التي يدعي الرئيس الكريم انها لدقائق ، ألم يقرأ القانون الذي صدر بأن عدم نجاح القاضي لمقابلة الدقائق التي أشار إليها معاليه مرتين كافية لإخراجه من وظيفته بعد خدمة عشرة او خمسة عشر عاما بالقضاء . أما بإجابته عن تغول السلطة التنفيذية تلك الإجابة التي يستهلها بقوله ( حسب الدستور فإن السلطة القضائية مستقلة تماما عن السلطة التنفيذية ) إلى أن يعلن معاليه أن ما يشاع تجاه وزير العدل أيمن عودة بفرض إملاءاته على المجلس القضائي فإنه أمر عاري عن الصحة .
باعتقادي أن معاليه استغرق بالتفائل بموضوع فرض الإملاءات على الرئيس نفسه قبل أن تكون هذه الإملاءات على أعضاء المجلس ، و هذه الإملاءات سندها القانون و سندها شخصية رئيس المجلس القضائي ، وهنا أتسائل لو كان المرحوم موسى الساكت رئيسا للمجلس القضائي فهل كان سيستقوي أيمن عودة و غيره على القضاء ؟ لو كان موسى الساكت رئيسا لمحكمة التمييز هل يطلب قضية من أية محكمة حسب اختصاصه لعرضها على محكمة التمييز و يمر عليها شهر ولم ترسل إليه مما دعا أصحابها للتنازل عن حقهم بالتمييز حفاظا على سمعة هذه المحكمة و ذلك كما جرى بقضية مصفاة البترول للنظر بتكفيل المتهمين من قبل محكمة التمييز
و لا أدري ما هو قصد معاليه من أنه لا يستطيع أحد من المسؤولين أن يتكلم مع قاضي بموضوع قضية ، وهنا أتفق معه لأن الذي يمنع ذلك تربية قضاتنا التي نعتز بها و نفاخر و الكل يعرف أن قضاتنا يرفضون النظر بأية قضية يسألون عنها مجرد سؤال مسبق . أما ما ورد على لسان معاليه من إنكاره لعبارة ( بتوجيهات من فوق ) حين تقرر إحالة القضاة الأربعة على التقاعد ، فلا أعتقد أن أعضاء المجلس القضائي غير دقيقين بما سمعوه من معالي الرئيس و وافقوا على الإحالة على مضض و عدم اقتناع بأن من عناهم معاليه يتدخلون بمثل هذه الامور .
و أخيرا على رئيس المجلس القضائي أن يمعن في قراءة قانون استقلال القضاء و تعديلاته ليرى ان هناك الكثير من المآخذ و أنا على استعداد لبيانها في مناظرة عامة مع معاليه لأكشف بها أمور كنت لا أرغب بكشفها مؤملا أن لا يحرجنا معاليه على التحدث أكثر أكثر مما تحدثنا مذكرا معاليه بهذه المناسبة بنص المادة (5) من قانون النيابة العامة المؤقت و التي تنص ( جميع أعضاء النيابة العامة و الأشخاص القائمون بوظائفها أمام المحاكم النظامية ملزمون في معاملاتهم و طلباتهم الخطية باتباع الأوامر الخطية الصادرة إليهم من رؤسائهم أو من الوزير في شؤونهم الإدارية و إقامة الدعاوي و تعقبها ) و كذلك المادة المادة التاسعة من نفس القانون و التي تنص ( يتولى النيابة العامة قضاة يخضعون لأحكام قانون استقلال القضاءالنافذ و ذلك بالقدر الذي لا تتعارض فيه مع أحكام هذا القانون ) .
بهذا النص القانوني ألم يصبح وزير العدل هو المحرك الأول لدعوى الحق العام ؟ و إن غدا لناظره قريب . faisalbatayneh@gmail.com