18-09-2013 03:14 PM
سرايا - كلنا على يقين ان قول الحقيقة شيء رائع يتسم به الصادقون والمؤمنون وممن يمتلكون صفات القوة والشجاعة في مواجهة الواقع بعينه بكل جراءة ولكنها في كثير من الحالات يفقدك ذلك الكثير من ثباتك وتوازنك حيث انها تدخلك في دوامة ومعارك عديدة ربما لكونك لا تدرك الزمان والمكان المناسبين لقول تلك الحقيقة او كل ما تريد قوله .
فطريقة واسلوب ومعطيات واثباتات طرحك للحقيقة وآلية التعبير عنها واختيارك للكلمات يبنى عليها ردود فعل الجانب الآخر .
لان الحقيقة في كثير من الاحيان تلقى الضوء على الجانب المخفي والمستور والغير مرئي والغير معلوم للآخرين وحتى ولو كانت مؤلمة بالنسبة لكثير من الناس والمسؤولين فهي كونها تكشف المستور والغير معلوم الا انها تبقى كالشمس ساطعة ولا تغطى بغربال .
لذلك يخشى الكثير منا النظر اليها مباشرة وكثير من الناس مؤمن ان قول الحقيقة ضروري جداً لتصويب المسيرة سواء كانت مسيرة الاصلاح او البناء او التخطيط من اجل الوصول الى نتيجة مرضية ايجابية وليست نتيجة سلبية نندم عليها لأن عدم البوح بها في حينها سيسبب كارثة والمجتمع بطبعه ليس نسيجاً واحدا ًبل مجزأً ومليئاً بالتناقضات والتباين في اختلاف وجهات النظر والمواجهات التي لا تنتهي .
وقول الحقيقة على ما هو عليه يجعلك تصطدم بواقع شديد القسوة قد لا تستطيع ان تغيره بسهولة او قد فات الميعاد فهناك اشخاص قد اصبحوا في عداد الموتى لماضيهم الذي يصعب عليك الآن تغييره وكأنك بقولك للحقيقه تحاول اعادة الموتى الى الحياة ويقول المفكر ايتان جلسوت " ليس من الصعب ان تعثر على الحقيقة ولكن المشكلة الكبرى هي ان لا تحاول الهروب منها اذا وجدتها " هناك أمور كثيرة وحقائق هذه الامور في عقول وصدور الكثيرين ممن يعرفون واقعها الحقيقي وحقيقة امرها ليس كما نشاهدها بينما كما حدثت وتمت وانجزت لكن قولك الحقيقة الامر يجعلك في مواجهة صريحة من الممكن ان لا تحمد عقباها لانك من الممكن ان تكون الطرف الاضعف بالمواجهة ومن الممكن ان لا تجد من يساندك او يقف معك بل الكل يتخلى عنك ويتركك بالميدان لوحدك تتحمل النتائج المترتبة على ذلك .
لذلك لا بد من ابقاء مسافة بينك وبين من تواجهه حيث ان تلك المسافة من الممكن ان تتيح لك عامل أمان وفرصة للتعايش معها قبل قولها او الاعلان عنها للملأ .
ولعلك تدرك ما مدى ما وصل اليه الطرف الآخر من ردة الفعل وصدمة نفسية واجتماعية وحياتية حيث انه بمواجهة الحقيقة لن يتمكن من استيعابها مباشرةً ولن تكون مريحة له خاصة اذا كنت مصر على فضح وكشف المستور اما بجهل واندفاع منك اتجاه الآخر او لتنفيذ أجندة ومهمة ما .
وفي اعتقاد الكثيرين اشخاص ( افراد ) او جماعات وغيرهم انه بقولهم الحقيقة وكشف المستور انهم بذلك سوف يقومون بعملية التغيير الكلي لواقع الامر وان الامر سينقلب على الطرف الاخر رأساً على عقب وكأنك تريد تحويل اللون الاسود الى اللون الابيض بلحظة لكن يجب ان تعلم كل العلم ان الحقيقة كالتغير البطيء تحتاج الى تدرج في قولها واختيار الوقت والزمان والمكان المناسب لقولها وان لا تبوح بها قبل أوانها .
قال ارسطو لأحد تلاميذه " لا تبحث عن الحقيقة لانك لن تجدها وان وجدتها فلن تستطيع اخراجها للناس وان اخرجتها للناس فهل تجد من يصدقك وان وجدت من يصدقك فهل تعلم مدى صدقه لك " .
فالناس سجناء ما بداخلهم فمن يمتلكون الحقيقة عليهم ان يحافظوا عليها وعلى مسافة متوازنة من الطرف الآخر حتى يكون هناك امتصاص للصدمة ولردة الفعل واختيار المكان والزمان والاسلوب الحضاري عند قولها والعلم والاطلاع على ما ستؤثره من نتائج وانعكاسات مؤلمة وعلينا ان نفهم وندرك ما سنقوله قبل ان نقوله فَسِرُّ شقاء الانسان هو العقل والتفكير .
بالرغم من أن من يرغم بقول الحقيقة يتأمل منها ان تغير من الواقع اي على أمل ان تغير .
والامل هو ان تعيش يومك من اجل صناعة غدك فمستقبلنا من صناعتنا وبدعم ربنا ثم عزمنا وبقدراتنا ومواهبنا التي وهبنا الله اياها والتي يجب علينا ان نستثمرها بكل قوة .
فالامل هو أن نتعلم من ماضينا ونسطره بأحرف من ذهب حتى وان بدا لنا الواقع وكأنه نحاس اكله الصدأ فلولا الماضي ما تعلمنا ولا تجنبنا الاخطار ولا عرفنا كيف نتخطى الصعاب والحقيقة ان كل الامل ليس له معنى بلا عمل لان الامل بلا عمل كالسراب يحسبه الظمآن ماءً والامل دائم طالما استمر العمل والحقيقة المرة ان ليس هناك من يريد ان يعمل .
نسمع رؤساء حكومات امتهنوا التنظير والخطابات والمقابلات الصحفية والحوارات على الفضائيات كلام في كلام والكل يعرف الحقيقة لكن لا يريد ان يقولها او ان يعبر عنها لان لا الوقت ولا المكان ولا الزمان في صالح الوطن ان نقولها .
فإن تحدثنا عن التعيينات وآلية تنفيذها فالحقيقة مرة وان تحدثنا عن واقع الامر المعيشي وما آلت اليه الناس فالحقيقة مرة وان تحدثنا عن واقع ما تحقق من مسيرة الاصلاح فالحقيقه مره وان تحدثنا عن ما تم انجازه من الديمقراطية على ارض الواقع فالحقيقة مره وان تحدثنا اين وصلت ملفات فساد الديناصورات فالحقيقة مره وان ... وان ... وان ... وان .
فمن الافضل ان لا نتحدث ولتبقى الحقيقة في صدورنا .
حمى الله هذا الوطن وأمنه وسلامته في ظل القيادة الهاشمية الحكيمة .
hashemmajali_56@yahoo.com