بقلم :
لعل البعض لا يعرف معنى الشيزوفرينيا؛ انها مرض انفصام الشخصية، وهي من الامراض العقلية التي يظهر فيها الانسان بشخصيتين مختلفتين، بل متناقضتين، ولكن ما علاقة الشيزوفرينيا بالمناصب؟! ألم نرى الكثير من الافراد قد تغيرت حالهم عندما تولوا مناصب عليا أو دنيا ؟! فالدنيا كلها لا تساوي عند الله - سبحانه- جناح بعوضة، فكم يساوي هذا المنصب من هذه البعوضة الحقيرة التي تشمئز منها النفوس، وتضطرب لها الأكفّ، ألم نرى هؤلاء كانوا ثم أصبحوا، كانوا يلاقون الناس بالتهليل والترحيب، وكانت أبوابهم مفتوحة، وصدورهم مشروحة، وكانت تعلو وجوههم الابتسامة والرضى، وكانو يبادرون بالسلام والتحية، ولكن للأسف عندما شاءت الظروف أن يتسلموا مسؤولية تغيّرت الأحوال، وتبدلت النفوس، تنظر إليهم، وكأنهم ليس بالأناس الذين تعرفهم، تتفحص وجوههم، وكأنها ليست الوجوه التي طالما بدت مشرقة، لقد أصبحوا حيث لم يكونوا؛ لقد غيّروا وبدَلوا، وأغلقوا الأبواب، وسدوا المنافذ، لقد تكبّروا، وشعروا بالعزة الزائفة؛ فمن أصبح من عليّة القوم، فكيف له التواصل مع المساكين الذين لن يغنوا من جوع، ولن يطفئوا نارا من ظمأ، مساكين هؤلاء فمن اعتزّ بغير الله ذلّ، فكل شيء الى زوال.
والحكمة تقول: المناصب دوّارة يوم لك، ويوم عليك، وهكذا دواليك... مساكين هؤلاء الذين قرنوا كرامتهم بالمنصب، والمال، والجاه، ثم إذا زالت هذه الأشياء، فنراهم مطأطئ الرؤوس يمشون الهوينى، وحالهم يقول: باليت، يل ليت. فكل شيء في أوانه مفيد ونافع. لقد أعجبني قول حكيم: إن المناصب، والأموال، والجاه كالهواء في البالون كل له مقداره وفي لحظة ما يفقع البالون فتتناثر أجزاؤه إلى حيث لا رجعة، فما طار طير وارتفع الا كما طار وقع. النصيحة لهؤلاء – والحمد لله هم قلة – أن يكبروا بأخلاقهم لا بمناصبهم؛ فالمناصب لابد يوما زائلة، ولا يبقى الا السمعة الطيبة، والذكر الحسن. والناس ألسنة الحق، ولا تجتمع على باطل، فمن اعتبر وارتدع فهنيئا له، ومن كان من أولئك المتعالين المتكبرين فتعسا له، ويكفيه أنه من تلك الفئة المسماة بذات الوجهينن، وهؤلاء يخشى جانبهم، ويتقى شرهم، ومن الحكمة عدم معاشرتهم، او الاختلاط بهم، فلا تعرف متى يلدغون، ولن تستطيع أن تتنبأ متى يلسعون. وفي النهاية لا يسعني الا الدعاء لهؤلاء بالهداية والإياب إلى الحق والصواب، والعاقبة للمتقين.