07-11-2009 04:00 PM
حينما أقطف مناسبة فرح أحب أن أشارك كل الذين يحيطون بي، وأعطهم حصة السعادة إن أمكن ، أما في حالة الحزن فانكفئ على نفسي ويصيبني إحباط داخلي ، قد يوجد به بذرة أمل تزيل ذلك الحزن إلا أن التجربة الحياتية علمتني أن الموت لأحد الأحباء يترك في قلبك غصة تدرك أنها لا تغادر سريعا. حكمة هذه الدنيا أن يولد بشر ويموت بشر، جيل يخلف جيل ، هذا ما يحدث في الحالة الطبيعية، أما حينما يكون موت استثنائي فستكون الفاجعة أكبر ، والخبر كأنه نيازك تسقط في قلبك . فثمة رجال حينما يغادرون تدرك أن ألف رجل لن يغط مكانهم في قلبك وهناك تسلسل حياتي لا تريد أن ينقطع بينهم وبينك .
وثمة أحباء أقسم بالله أني لم أتمن الكتابة رثاء عنهم ، ودعوت الله كثيرا ألا أذوق حسرتهم، فتصبح ساعاتهم الجميلة ذكرى غير قابلة للعودة ، ومع أني أؤمن بقضاء الله سبحانه وتعالى، وأسلم نفسي دوما إلى حكمه، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم البشر بكى على ابنه إبراهيم. و فاطمة الزهراء خير من صلح من النساء في الإسلام بعد أمها وأمنا السيدة خديجة كانت تصرخ وتقول كيف هان عليكم أن تضعوا التراب على جسد رسول الله حينما كان يدفن وهي تدرك أنه كريم غادر إلى ربه وحبيبه، ولكنه الموت. المقصلة التي تقطع عنا أحبائنا وتتركنا وبكل قسوة نضعهم في حفرة عميقة ونرمي فوقهم التراب ، ليكون الموت عبرة في أن هذه الدنيا حقا فانية وعاجلة لا متعة ولا محبة فيها .
غادر طارق شاهين ابن العم الذي ما كنا نناديه سوى بالعم الغالي لفارق العمر وحجم المحبة التي يضعها ، ليكون دوما العم والخال والجد وكل ما يمكن أن يعطيه الرجل في مكان أسري . غادر إلى مقبرة سحاب وأكد كل الموجودين في تلك الخيمة الكئيبة انه لن يعود ، ولن تفتح نافذتنا بعد اليوم لأجد سيارته تطلق زامورا متقطعا كالعادة، وفي داخل السيارة بعض الأقارب أو أماكن ما تزال فارغة تنتظر ركوب أحدنا ليتوجه معه لزيارة رحم أو قريب.
رجل كان بحجم عشيرة وله قدرة ألف رجل كي يظل شجرة زيتونة رومانية يحمل فروع العائلة فإن لم يكن بزيارة تفقدية لفرد من عائلة مزقتها الهجرة وعمان والزرقاء وجرش ، كان أفراد العائلة يتواجدون عنده ، بكى كثيرا على جفاء شاب وتنكره لاسم العائلة شكى كثيرا لعدم التواصل بل والتفاخر بأنهم متفرقون .
قلبه تمزق من الفرقة وعدم وجود ولو ديوان صغير يجمع هذا الشتات الذي لا أدر سببا له ، اهو الغنى الذي حل في جيوب البعض ، أم مناصب مؤقتة لا تضع أي نجمة تعلو على رتبة العشيرة حينما تكون الرتبة العلية لأسمائنا . أغرتهم يا عمي طارق الحياة أم فرقة علمها إياهم الإباء وقالوا لهم لا يوجد في قاموس الحداثة مصطلح الأسرة والعشيرة والأعمام والأبناء .لن أجيب فأنت كنت تعرف الجواب وتكتبه كثيرا ...
غادرت مبكرا يا طارق شاهين وأدرك حجم الألم الذي كنت تعانيه عندما أخبروك أن ثمة شريان اقترب من التوقف ولم يعد قادرا على ضخ دماء جديدة ، وكنت أرى دموع عينيك كلما قلت لك( عمي تعال عنا اليوم ) أرى دموعا حقيقية تنذر بالمغادرة ، شعرت أنت يا عماه أن العمر انتهى وكنت الأحرص على تفقد الأحباء .
دموع من ينابيع بيسان وكوب الحاج رشيد الذي طالما افتخرت به جدا لك وجاهرت بحبك لدينه وطيبته، وحاولت كثيرا أن تعلم جيلنا كيف كان رشيد شاهين بالرغم من تنكر الأبناء والأحفاد لأستنساخ الجد رشيد شاهين .
سأقول أن شريان كبير توقف ، وأن قنبلة انفجرت وليست ( جلطة ) توقفت في شريانك وجعلتك تنام على سرير في مستشفى الخالدي ، وراهنت نفسي حينما رايتك في تلك الدقائق أنك ستغادر هذه الحياة إن لم تستطع النهوض ، فمثلك لا يقبل للحظة واحدة أن يجلس عاجزا أو ينتظر يدا تساعده على الوقوف .
هاأنت عشت قويا ومت قويا ولم ترضخ لهذه الدنيا ، وإن كنت أنا يا عماه قد فهمت كثيرا قصة دموعك ، استوعبتها أكثر من غيري وأقول أني الأقدر يوما على فهم حقيقة الشريان الأكبر الذي توقف ، وأيقن أن التربة لم تعد صلبة بل ذرات خفيفة لن تتثبت بها جذور شجرة .
قبل عام أو أقل قليلا يا عماه كنا ندفن سويا ابنة عمي أحمد وعاتبتني يومها في المقبرة لماذا كنت أنا مستعجلا بإسقاط التراب على قبرها وعانقتي باكيا وأنت تقول ( هل استعجلت على دفن ابنة عمك يا عمر ) لا اعرف لماذا ولدت بي يومها سؤالا غريبا لا أستطيع الإجابة عليه ، إلا أني يا عمي طارق لم أكن ممن اسقطوا عليك التراب ولم أكن مستعجلا ولم يهن لي أن أضعك بحفرة عميقة وأعود دونك ،وعلي منذ اليوم أجد أن اكبر إثم سأرتكبه إن دفنت حبيبا وأسقطت عليه التراب مستعجلا ، وليقوم بذلك غيري ، وسأقول لك أكثر أني رفضت الاستماع لصوت أخي محمد من قطر حينما هاتفني عدة مرات فقد كان الأحب لقلبك وكنت الأحب لقلبه ، وكان صوت محمد سيزيدني حرقة وألما تجنبته وتجنبت سماع حروف ستلقى على صدري مثل عيدان حطب على "كوفيلية" طفل ..
وإنا كنا ياعماه ونحن أطفال لا تعني لنا عمان سوى بيت عمي طارق وماركا الشمالية فإن أقول لك أشعر أن الغالية عمان تجلس بجبالها السبع على صدري وهناك دموع بحجم سيل عمان في خمسينات القرن الماضي أشعر أنها تتدفق من عيني ولا يراها سواك حتى في قبرك.
عمر .....
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
07-11-2009 04:00 PM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||