حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,30 ديسمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 3309

أ. د. ليث كمال نصراوين يكتب: ترخيص المركبات وتكريس سيادة القانون

أ. د. ليث كمال نصراوين يكتب: ترخيص المركبات وتكريس سيادة القانون

أ. د. ليث كمال نصراوين يكتب: ترخيص المركبات وتكريس سيادة القانون

30-12-2025 10:33 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
أشارت تقارير صحفية إلى تزايد أعداد المركبات التي تسير على الطرقات دون تجديد تراخيصها، وهي معطيات لا يصح التعامل معها بوصفها خبرًا عابرًا. فحين يغدو السير دون ترخيص سلوكًا شائعًا، لا تعود المسألة مجرد مخالفة قانونية، بل تتحول إلى مؤشر على تبدلٍ في نظرة الناس إلى القانون، والمبررات التي جعلت التأجيل مقبولًا في وعي شريحة واسعة منهم.
ومع التأكيد على الظروف الاقتصادية الاستثنائية التي يعاني منها المواطن الأردني وضيق الحالة المادية التي قد تدفع بسائق المركبة إلى تأخير عملية الترخيص وتقديم التزامات أسرية أخرى على حسابها، فإن الوضع المالي في الأردن لم يكن بأحسن حال خلال السنوات الماضية، ومع ذلك لم يصل السلوك إلى هذا المستوى.

كما أن القيمة المرتفعة لمخالفات السير أُقرت في عام 2023 من دون أن يرافقها آنذاك عزوفٌ ملحوظ عن ترخيص المركبات كما حصل خلال الفترة الماضية، الأمر الذي يستدعي البحث عن أسباب أخرى. ويبدو أن أبرز هذه الأسباب يتمثل في كثرة الأحاديث عن قرب صدور عفو عام يرفع عن كاهل الأردنيين مخالفات السير، وهو ما رسّخ قناعة مجتمعية بأن هذا العفو حاصل لا محالة، وأن الانتظار أقل كلفة من الامتثال، وهي قناعة غذّاها خطاب سياسي وإعلامي غير منضبط، صدر بالدرجة الأساسية عن عدد من النواب، حتى بات المواطن الأردني يعتقد أن صدور هذا التشريع مسألة وقت لا أكثر.

ولم تقف الأمور عند هذا الحد، إذ اتسعت دائرة الدعوات إلى العفو العام لتشمل قيادات حزبية وشخصيات إعلامية، شكّلت فيما بينها تجمعات منظمة مارست ضغطًا علنيًا باتجاه إقرار عفو جديد، وهو ما أسهم في تعميق القناعة بأن مخالفات السير تتجه نحو الإلغاء، وأن تأخير ترخيص المركبات لا يترتب عليه ضرر طالما أن إقرار العفو منتظر.

وهنا تتجلى الخطورة الحقيقية في الدور الذي يضطلع به بعض النواب والسياسيين، لا في طرح فكرة العفو من حيث المبدأ، وإنما في تحويلها إلى أداة تعبئة شعبوية تُستعمل لاستمالة الرأي العام على حساب استقرار القاعدة القانونية وتكريس مبدأ سيادة القانون. فالنائب الذي يلوّح بالعفو بلغة توحي بالحتمية لا يؤدي دورًا رقابيًا أو تشريعيًا بالمعنى الدستوري السليم، بل يسهم في خلق توقعات زائفة لدى الناس، ويشجعهم بصورة غير مباشرة على مخالفة القانون وتعليق التزاماتهم بانتظار الإعفاء.

ولو كان النواب جادين فعلًا في طرح فكرة العفو العام، لكان بإمكان عشرةٍ منهم أن يتقدموا بمقترح قانون عفو عام وفق أحكام الدستور، بدل الاكتفاء بإطلاق التصريحات وانتظار أن تبادر الحكومة بتقديم مشروع قانون. فالدستور لم يحصر المبادرة التشريعية بالحكومة وحدها، وإنما أناط بالنواب حق اقتراح القوانين، وهو ما يجعل الاكتفاء بالخطاب الإعلامي دون سلوك المسار الدستوري الصحيح أمرًا يثير التساؤل حول جدية هذه الدعوات، ويكشف في الوقت ذاته الفجوة بين الخطاب الشعبوي والممارسة الدستورية السليمة.

وانطلاقًا من ذلك، فإن أية مقترحات تتعلق بالشؤون العامة تندرج ضمن إطار حرية الرأي والتعبير وحق الأفراد في مخاطبة السلطات العامة، بوصفها حقوقًا دستورية مكفولة، غير أن الإشكالية تتمثل في أن دعاة الخطاب الشعبوي قد تجاهلوا التصريحات الرسمية المتكررة التي أكدت أن مشروع العفو العام غير مطروح على طاولة البحث. فقد أعلنت الحكومة في أكثر من مناسبة أنها ليست بصدد التقدم بمقترح تشريعي بالعفو، سواء لقرب عهد آخر قانون عفو عام، أو في ظل التوسع في تطبيق التدابير البديلة للعقوبات السالبة للحرية بما يسهم في التخفيف من الاكتظاظ في مراكز الإصلاح والتأهيل.

إن خطورة هذا السلوك المجتمعي، والمتمثل في التجاوز على واجب ترخيص المركبات، تتمثل في مساسه المباشر بسلامة الأرواح والممتلكات. فترخيص المركبة يتضمن فحصًا فنيًا دوريًا لها للتأكد من صلاحيتها للسير وخلوّها من أعطال قد تُعرّض السائق أو غيره للخطر. وعندما تسير أعداد كبيرة من المركبات دون تجديد الترخيص، فإن ذلك يعني عمليًا أن عددًا غير معلوم منها قد يكون غير صالح فنيًا، ما يضاعف احتمالات الحوادث، ويحوّل الطريق العام إلى مساحة خطر مفتوحة.

ويزداد الأمر خطورة عند النظر إلى البُعد التأميني، إذ ينظم القانون مسؤولية شركات التأمين على أساس وجود ترخيص ساري وتأمين نافذ. وقد تُثار إشكاليات حول مدى التزام شركة التأمين بالتعويض إذا وقع حادث بمركبة غير مرخصة، وفي جميع الأحوال فإن السائق يضع نفسه في دائرة مسؤولية شخصية قد تمتد إلى أعباء مالية جسيمة وتعقيدات قضائية كان يمكن تجنبها بالامتثال للقانون.

إن المسؤولية في هذه الحالة لا تقع على المواطن وحده، بل تمتد إلى الخطاب العام الذي أسهم في تشكيل هذا السلوك؛ فالنائب أو الشخصية العامة التي تلوّح بالعفو بصورة مستمرة لا تقدم خدمة اجتماعية، بل تُسهم في تشجيع المخالفة وتعريض سلامة الناس للخطر.

وعليه، فالحاجة ماسّة اليوم إلى موقف رسمي وحازم يحدّد مصير العفو العام بوضوح، ويضع حدًا لثقافة الرهان عليه، إذ إن بناء السلوك القانوني على توقع تشريع قد لا يأتي هو رهان خاسر، ولا يجوز تعليق حماية الأرواح البشرية على الانتظار.

* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية

laith@lawyer.com











طباعة
  • المشاهدات: 3309
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
30-12-2025 10:33 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك، هل تنجح إدارة ترامب وحكومة الشرع في القضاء على "داعش" بسوريا؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم