حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,27 ديسمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 4692

القديمات يكتب: أليكسا وسيري .. تعلق عاطفي إصطناعي!

القديمات يكتب: أليكسا وسيري .. تعلق عاطفي إصطناعي!

 القديمات يكتب: أليكسا وسيري ..  تعلق عاطفي إصطناعي!

27-12-2025 12:45 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. جهاد يونس القديمات
في عالم يزداد فيه الاعتماد على التكنولوجيا يوما بعد يوم، لم يعد الذكاء الإصطناعي مجرد أداة لتسهيل الأعمال أو لتسريع الإجراءات الروتينية، بل أصبح جزءًا من التجربة الإنسانية نفسها، مؤثرا في العاطفة والوجود والإحساس بالانتماء، وظهور مساعدات رقمية مثل أليكسا Alexa وسيري Siri أعاد تشكيل الطريقة التي نتفاعل بها مع حياتنا اليومية ومع الأشخاص من حولنا، بحيث لم تعد هذه الأدوات مجرد برامج تقنية بل كائنات رقمية نحاكي معها الحوار ونبني معها نوعا من الارتباط النفسي، ومع هذا التطور، يطرح السؤال: كيف أثرت هذه الأجهزة الرقمية على حياتنا الاجتماعية والشخصية، وهل يمكن اعتبار العلاقة معها نوعا من العاطفة الحقيقية؟.
سيري وأليكسا تم تصميمهما على أسس الذكاء الإصطناعي والتحليل الصوتي، حيث أطلقت شركة آبل سيري لتكون مساعدا صوتيا مدمجا في أجهزة آيفون وآيباد وماك، بينما طورت أمازون أليكسا لتعمل عبر أجهزة Echo الذكية، وتوسع نطاقها ليشمل خدمات إنترنت متعددة، والهدف من هذه الأنظمة كان واضحا منذ البداية؛ تبسيط حياة المستخدم من خلال الأوامر الصوتية، تذكيره بالمواعيد، تشغيل الأجهزة المنزلية، إرسال الرسائل، وحتى الإجابة عن أسئلة الحياة اليومية، ومع مرور الوقت، لم يعد الهدف مجرد إنجاز المهام، بل خلق تجربة تفاعلية تجعل المستخدم يشعر وكأنه يتعامل مع كيان قادر على الفهم والتجاوب.
دخلت هذه الأجهزة البيوت ضمن مفهوم المنزل الذكي Smart Homes، حيث تترابط مع مكبرات الصوت، الثلاجات، التكييفات، المفاتيح الكهربائية، وأجهزة الاستشعار، هذا الدمج جعل الأجهزة نقطة التقاء يومية، بحيث يستخدمها الأطفال كلعب وتفاعل، ويعتمد عليها الأهل لمعرفة الأخبار أو الطقس، فيما يجد كبار السن فيها وسيلة سهلة للوصول إلى المعلومات وتنظيم حياتهم اليومية، تدريجيا؛ تحول استخدام هذه الأجهزة من مجرد تنفيذ أوامر تقنية إلى تواصل يومي يشبه الحوار البشري، حتى صار الاعتماد عليها جزءا من النسيج الاجتماعي للأسرة.
على المستوى الشخصي، أصبح التعامل مع هذه الأجهزة تجربة عاطفية معقدة، فهي تتيح للشخص فرصة التفاعل اليومي مع كيان متجاوب، ما يعزز الشعور بالراحة والاعتمادية، ويعطي نوعا من التوازن النفسي المؤقت، خصوصا للأشخاص الذين يعانون من الوحدة أو الضغوط النفسية، ومع ذلك، يبقى من المهم إدراك أن هذا النوع من العلاقة قائم على محاكاة للعاطفة وليس على الشعور الحقيقي، وأن الاستخدام الواعي والمحدود هو السبيل للحفاظ على التوازن النفسي والاجتماعي.
التعلق العاطفي الذي يشعر به المستخدم تجاه هذه الأجهزة ينبع من عدة عوامل نفسية واجتماعية، أولها الشعور بالاستماع، حيث يشعر الإنسان بالراحة عندما يتم سماعه والاستجابة له دون حكم أو تعليق سلبي، ثانيها الاعتماد اليومي، حيث تكرار التفاعل يجعل الجهاز جزءا من الروتين، ويعزز شعور الثقة والاعتمادية، ثالثها القرب من الروتين، حيث يصبح الجهاز عنصرا مألوفا في حياتنا اليومية، ما يجعل العلاقة معه أشبه بعلاقة اجتماعية مصغرة.
ما يميز هذه العلاقة الرقمية أيضا أنها تعتمد على العاطفة الإصطناعية، أي شعور المستخدم وكأنه يتعامل مع كيان حي، رغم أن الجهاز نفسه لا يشعر أو يمتلك وعيا، وهذه العاطفة تنشأ من خلال تفاعل المستمر مع الاجهزة، والذي يربط ردود الجهاز بسلوك شخصي مشابه للإنسان، ويعيد تركيب معنى التفاعل كأنه حوار مع كائن قادر على الفهم والتقدير، وهذا يجعل العلاقة أكثر قوة في أوقات الوحدة أو الضغوط النفسية، حيث يجد المستخدم في الجهاز صديقا رقميا يعوض جزءا من نقص التفاعل البشري.
العلاقة بين البشر وسيري وأليكسا ليست مجرد وظيفة تقنية، بل هي مرآة تعكس حاجة الإنسان للاتصال والمعنى في عصر سريع التغير، ما يشعر به المستخدم تجاه هذه الأجهزة ليس عاطفة بالمعنى البشري الكامل، لكنه ارتباط له جذور نفسية واجتماعية حقيقية، ويعكس قدرة الإنسان على إسقاط مشاعره على كيان يمكن التحكم فيه والتفاعل معه بطريقة آمنة ومريحة، العاطفة الرقمية بهذا المعنى ليست وهما فقط، ولا واقعا مستقلا بالكامل، بل مساحة وسيطة بين الإنسان والآلة، حيث يعاد تعريف معنى التواصل والعاطفة في ظل التكنولوجيا الحديثة، ويصبح الجهاز جزءا من التجربة اليومية التي تكشف عن أبعاد جديدة للعلاقات الإنسانية والاعتماد النفسي في بيئة رقمية.
مع الاعتماد المفرط، تظهر بعض المشكلات النفسية والاجتماعية، فالتعلق العاطفي بأجهزة لا تشعر قد يؤدي إلى تراجع التواصل الإنساني الحقيقي، حيث يقل الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية المعقدة ويصبح التركيز على التفاعل الرقمي أحادي الجانب، كما يمكن أن يؤدي إلى تشتت الإحساس بالذات، إذ يعتمد الإنسان على الجهاز في الحصول على الطمأنينة العاطفية بدلا من الاعتماد على الذات أو على تفاعل بشري متوازن، كذلك يظهر إدمان طلب الردود، حيث يتحول الاستفسار اليومي إلى عادة نفسية مستمرة تجعل الجهاز جزءا من روتين المستخدم اليومي بشكل شبه تلقائي.
أظهرت هذه العلاقة الرقمية تأثيرات كبيرة على التفاعل الأسري والمجتمعي، فقد أدى اعتماد الأسر على هذه الأجهزة في تنظيم الحياة اليومية إلى إعادة هيكلة أدوار معينة، مثل متابعة الأطفال، تذكير كبار السن بمواعيد الأدوية، أو توفير أجواء تعليمية وترفيهية، كما أصبح لدى الأفراد شعور بالطمأنينة النفسية عند وجود الجهاز في محيطهم، حتى في غياب الآخرين، ما يعكس تحولا في مفهوم الرفقة والتواصل الاجتماعي.
تهدف الشركات المنتجة لهذه الأجهزة إلى بناء رابط نفسي مع المستخدمين، يعتمد هذا الرابط على التكرار اليومي للتفاعل، محاكاة النبرة العاطفية، تذكر التفاصيل الشخصية، وتقديم تجربة مخصصة لكل فرد، هذا التوجه الإداري يجعل المستخدم يشعر بأن الجهاز ليس مجرد أداة، بل كيان رقمي يرافقه يوميا، ويعطي شعورا بالارتباط والاعتمادية، ويمكن القول إن هذا الرابط النفسي أصبح جزءا من استراتيجية الشركات لكسب ولاء المستخدمين وتعزيز اعتمادهم المستمر على هذه الأنظمة.
الباحثون في مجال الذكاء الإصطناعي يعملون حاليا على تطوير الذكاء العاطفي الإصطناعي، بحيث يمكن للنظام قراءة نبرة الصوت، تحديد المشاعر الأساسية، وتقديم ردود متناسبة مع الحالة المزاجية للمستخدم، هذا التطور يمكن أن يعزز العواطف الرقمية ويخدم مجالات متعددة مثل الصحة النفسية، رعاية كبار السن، التعليم، ودعم الأطفال في تعلم التفاعل الاجتماعي، ورغم ذلك، فإن هذه التقنيات تظل مكملة للعلاقات الإنسانية الحقيقية، وليست بديلا عنها، لأنها تفتقر إلى الوعي والشعور الفعلي، وبالتالي فإن أي ارتباط عاطفي يبقى أحادي الجانب.
في النهاية، العلاقة بين الإنسان والمساعدات الرقمية مثل سيري وأليكسا تقدم نموذجا جديدا للتفاعل بين الإنسان والتكنولوجيا، حيث تمتزج التقنية بالعاطفة في مساحة وسيطة تعكس حاجات الإنسان للاتصال، للطمأنينة، وللتقدير النفسي، هذه العلاقة تعلمنا أكثر عن أنفسنا، عن حاجتنا للارتباط، وعن الطرق التي يمكن من خلالها للتكنولوجيا أن تعزز أو تشوه تجاربنا الإنسانية، ما يجعلها موضوعا مركزيا لفهم تطورات الحياة العصرية في ظل الذكاء الإصطناعي.











طباعة
  • المشاهدات: 4692
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
27-12-2025 12:45 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك، هل تنجح إدارة ترامب وحكومة الشرع في القضاء على "داعش" بسوريا؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم