23-12-2025 08:50 AM
بقلم : ماهر البطوش
في وقت باتت فيه تفاصيل الحياة اليومية مرآة حقيقية لمدى التزامنا بالقانون واحترامنا للمكان الذي نعيش فيه، جاء حديث سموّ الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، وليّ العهد، خلال اجتماع اللجنة التحضيرية المعنية بالبرنامج التنفيذي لاستراتيجية النظافة والحد من الإلقاء العشوائي للنفايات، ليضع النقاط على الحروف، مؤكداً أن نظافة الأماكن العامة ليست أمر ثانوي، بل واجب ديني وأخلاقي ومسؤولية وطنية لا تحتمل التأجيل.
هذا الحديث لامس وجدان الأردنيين لأنه خاطب ما يعرفه الجميع بالفطرة؛ فالنظافة ليست مطلب رسمي مفروض بالقانون فقط، بل قيمة تربى عليها الناس في بيوتهم، وجزء من أخلاق المجتمع الذي يرى في المكان العام امتداداً لحرمة البيت. ومن هنا، فإن أولى خطوات النجاح تكمن في ترسيخ الوعي المجتمعي المستمر، لا الموسمي، من خلال خطاب صادق يربط بين النظافة والانتماء، ويعيد التأكيد على أن الإلقاء العشوائي للنفايات ليس تصرف بسيط، بل إساءة للذات قبل أن يكون مخالفة للأنظمة.
وفي المقابل، فإن الدولة، وهي الطرف الأقدر على التنظيم والضبط، مطالبة بأن تمضي للأمام في ترجمة هذه الرؤية إلى إجراءات واضحة، تبدأ بتطوير الخدمات والبنية التحتية، وتوفير الحاويات، وتحسين آليات الجمع والفرز، وتنتهي بتطبيق القانون بعدالة وحزم. فالقانون، حين يُفعَّل، لا يكون أداة عقاب بقدر ما يكون وسيلة حماية للمصلحة العامة، وهو ما ينسجم تمامًا مع القوانين الناظمة لشؤون البلديات والبيئة والصحة العامة، ومع أحكام الدستور الأردني الذي كفل حماية الصحة العامة وصون الموارد وحق المواطنين في بيئة سليمة.
ومن هنا، تبرز الحاجة إلى تعزيز الرقابة الميدانية على المخالفات البيئية، وتوحيد الجهود بين الجهات المختصة، بحيث لا يبقى القانون حبراً على ورق، ولا تتحول المخالفات إلى سلوك اعتيادي. وفي الوقت ذاته، فإن العدالة تقتضي أن يقترن الردع القانوني بالتحفيز الإيجابي، من خلال مبادرات تشجيعية تُكافئ الأحياء والمؤسسات والأفراد الملتزمين، لتكريس ثقافة القدوة بدل الاكتفاء بمنطق العقوبة.
ولا يمكن الحديث عن نظافة مستدامة دون الالتفات إلى دور التعليم والتنشئة؛ فإدماج ثقافة النظافة واحترام المكان العام في المناهج الدراسية، وفي أنشطة الجامعات والمدارس، يعد استثمار حقيقي في وعي الأجيال القادمة، ويحوّل السلوك الحضاري من التزام مؤقت إلى قناعة راسخة.
كما أن إشراك المجتمع المحلي، ومؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، في حملات منظمة ومستدامة، يعزز الإحساس بالشراكة ويخفف العبء عن المؤسسات الرسمية.
إن النتائج المتوقعة من هذا النهج المتكامل لا تقتصر على تحسين المشهد العام فحسب، بل تمتد إلى تعزيز الصحة العامة، وتقليل الكلف المالية الناتجة عن التلوث، ورفع مستوى الالتزام بالقانون، وبناء صورة حضارية تعكس احترام الأردنيين لوطنهم ولمقدراته.وهي نتائج لا تتحقق بالشعارات، بل بالعمل المتواصل، والرقابة، والوعي، وتكامل الأدوار.
وفي المحصلة، فإن رسالة سموّ وليّ العهد تمثل دعوة صادقة لإعادة تعريف علاقتنا بالمكان العام، بوصفه حقاً للجميع ومسؤولية على الجميع. فحين يلتقي الوعي الشعبي مع التشريع العادل، وتتجسد القيم الدينية والأخلاقية في سلوك يومي، يصبح الحفاظ على نظافة الوطن نهج ثابت لا حملة عابرة، ويغدو الأردن، كما أرادته قيادته، وطناً يُحترم فيه القانون، وتُصان فيه الكرامة، وتُحفظ فيه البيئة للأجيال القادمة.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
23-12-2025 08:50 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||