21-12-2025 02:54 PM
بقلم : الدكتور جاسر عبدالرزاق النسور
يثير إعلان الحكومة نيتها إطلاق ما يسمى بـ«وزارة التعليم وتنمية الموارد البشرية» تساؤلات جوهرية حول فلسفة الحكومة في التعامل مع أحد أهم أعمدة بنائها الوطني: التربية والتعليم. فالمسألة هنا لا تتعلق بإجراء إداري أو هيكلي فحسب، بل بمفهوم عميق يمس هوية التعليم ودوره ورسالة احكومة تجاه أجيالها.
إن وزارة التربية والتعليم ليست مجرد مؤسسة خدمية أو ذراع لإدارة الموارد البشرية، بل هي وزارة سيادية ذات بعد تربوي وقيمي وثقافي، تضطلع بدور تأسيسي في بناء الإنسان الأردني، وتشكيل وعيه الوطني، وترسيخ منظومة القيم والانتماء والمسؤولية. اختزال هذا الدور في مفهوم «تنمية الموارد البشرية» ينطوي على نظرة اقتصادية ضيقة ترى الطالب مشروع موظف، لا إنسانًا متكاملًا.
التربية قبل التعليم، وقبل التدريب، وقبل سوق العمل. وهي عملية إنسانية طويلة المدى لا تُقاس فقط بمؤشرات التوظيف والإنتاجية. فالدول التي نجحت في بناء أنظمة تعليم قوية لم تبدأ من تغيير أسماء الوزارات، بل من تحسين جودة المعلم، والمناهج، والبيئة المدرسية، والحاكمية الرشيدة، وضمان العدالة التعليمية.
ثم إن الإشكالية الحقيقية في قطاع التعليم الأردني ليست في تعدد المرجعيات بقدر ما هي في ضعف التنفيذ، وتكرار الخطط دون تقييم حقيقي، وتغييب الميدان عن صنع القرار. فهل سيحل تغيير الاسم هذه المشكلات؟ أم أننا أمام إعادة توصيف لغوي لمشكلات قائمة دون معالجة جوهرها؟
الأخطر من ذلك أن ربط التعليم بمفهوم «إدارة الموارد البشرية» قد يؤدي إلى تغليب منطق السوق على منطق الحكومة ، ومنطق الوظيفة على منطق المواطنة، بما يهدد استقلالية العملية التعليمية ورسالتها الوطنية.
نعم، لا خلاف على أهمية مواءمة مخرجات التعليم مع سوق العمل، لكن ذلك يجب أن يكون جزءًا من السياسة التعليمية لا عنوانًا بديلًا لها، ولا مبررًا لإلغاء أو تهميش مفهوم التربية من اسم الوزارة ومن فلسفتها.
إن المطلوب اليوم ليس تغيير الاسم، بل إصلاح حقيقي يبدأ من المدرسة والمعلم والطالب، ويعيد الاعتبار لوزارة التربية والتعليم كحاضنة لبناء الإنسان، لا كإدارة لتزويد السوق بالموارد البشرية.
فالدول تُبنى بالتربية أولًا… لا بتغيير المسميات.
سيبقى الوطن راسخاً ، حمى الله الاردن وقيادته الهاشمية
الدكتور جاسر عبد الرزاق النسور
دكتور الادارة الاستراتيجية وادارة الازمات
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
21-12-2025 02:54 PM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||