حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,20 ديسمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 3132

د. عناد ابو زيد يكتب: البطالة في الأردن أزمة متفاقمة وسياسات مؤجَّلة

د. عناد ابو زيد يكتب: البطالة في الأردن أزمة متفاقمة وسياسات مؤجَّلة

د. عناد ابو زيد يكتب: البطالة في الأردن أزمة متفاقمة وسياسات مؤجَّلة

20-12-2025 04:47 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : الدكتور عناد ابو زيد
تُعدّ البطالة واحدة من أخطر التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الأردن، فقد تحولت خلال السنوات الماضية من مشكلة مرحلية إلى أزمة بنيوية متفاقمة، في ظل غياب حلول جذرية واستمرار ترحيل هذا الملف الحيوي من حكومة إلى أخرى. وعلى الرغم من أن الدستور الأردني كفل مبدأ تكافؤ الفرص وألزم الدولة بتوفير التعليم والعمل للمواطنين، إلا أن الفجوة ما تزال واسعة بين النصوص الدستورية والتطبيق العملي على أرض الواقع، ما يضع سياسات التشغيل موضع تساؤل حقيقي.
نظريًا، يُفترض أن تسهم برامج التنمية الاقتصادية في خلق فرص عمل مستدامة، لا سيما لفئة الشباب التي تشكل النسبة الأكبر من الباحثين عن العمل. إلا أن الواقع يشير إلى استمرار ارتفاع معدلات البطالة، لتصبح من أكثر القضايا الاقتصادية تعقيدًا، ليس في الأردن وحده، بل في العديد من دول العالم. غير أن خصوصية الحالة الأردنية تكمن في تداخل عوامل داخلية وخارجية، أبرزها الزيادة السكانية المتسارعة، وضعف قدرة الاقتصاد الوطني على توليد فرص عمل كافية، إضافة إلى عدم مواكبة التوسع في المشاريع الاقتصادية والخدمية لمتطلبات سوق العمل.ايضا أسهمت التحولات التكنولوجية المتسارعة، بما فيها الاعتماد المتزايد على الأتمتة والذكاء الاصطناعي، في إقصاء عدد كبير من الوظائف التقليدية، ما أدى إلى تسريح أعداد متزايدة من العاملين دون توفير بدائل تشغيلية حقيقية. ورغم ما تحمله هذه التحولات من فرص مستقبلية، فإن التعامل معها في الأردن ما يزال يفتقر إلى سياسات إعادة تأهيل وتدريب قادرة على دمج القوى العاملة في الاقتصاد إلى جانب ذلك، شكّل العبء الضريبي المرتفع والتوسع في فرض الضرائب دون دراسات، اثار اقتصادية معمّقة، عاملًا إضافيًا في إضعاف قدرة القطاعين الصناعي والتجاري على التوسع والتشغيل. فقد تزامن هذا النهج مع ارتفاع كلف الإنتاج والشحن، وتراجع القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية أمام السلع المستوردة، الأمر الذي انعكس سلبًا على مستويات التشغيل وأدى إلى إغلاق أو تقليص العديد من المنشآت.
وتكمن خطورة البطالة في آثارها الاجتماعية والسياسية، لا سيما على فئة الشباب، التي تجد نفسها أمام آفاق محدودة وفرص شبه معدومة لبناء مستقبل مستقر. فاستمرار البطالة يكرّس مشاعر الإحباط والتهميش، ويقوّض الثقة بين المواطن والدولة، ما قد يخلق بيئة خصبة للاستقطاب والاستغلال من قبل جهات تسعى إلى زعزعة الاستقرار، كما أظهرت تجارب عدد من الدول.
من هذا المنطلق، تصبح المعالجة الجادة للبطالة ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل، وتتطلب إعادة توجيه السياسات الاقتصادية نحو دعم المشاريع الإنتاجية، والتوسع في البرامج الحكومية التنموية، لا سيما من خلال توفير قروض ميسّرة، وتعزيز دور المشاريع الصغيرة والمتوسطة باعتبارها المحرك الأهم للتشغيل. كما تبرز أهمية تفعيل المناطق الحرة والتنموية وفتحها فعليًا أمام الباحثين عن العمل، مع تسهيل الإجراءات ومنح حوافز حقيقية تشجع على الاستثمار وتوليد فرص العمل.ويُعدّ القطاع الزراعي، بما يشمله من زراعة وتربية مواشٍ واستصلاح أراضٍ قابلة للإنتاج، من القطاعات الواعدة القادرة على استيعاب أعداد كبيرة من الأيدي العاملة الأردنية شريطة توفير الدعم الفني والمالي اللازم، مع ربط هذا القطاع بسلاسل التزويد والإنتاج الغذائي.إضافة إلى ذلك، فإن إنشاء شركات وطنية متخصصة في تسويق وتوظيف الكفاءات الأردنية في الخارج يمثل خيارًا استراتيجيًا يمكن أن يسهم في توفير فرص العمل وتخفيف الضغط عن سوق العمل المحلي، فصلاً عن انه يعزز من تحويلات العاملين، وينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني والاستقرار الاجتماعي.
خلاصة القول، إن معالجة البطالة لم تعد مسألة برامج مؤقتة أو حلول جزئية، بل تتطلب إرادة حكومية واضحة، ورؤية اقتصادية شاملة، وسياسات تشغيل قائمة على التخطيط طويل الأمد، بعيدًا عن ترحيل الأزمات وتأجيل معالجتها على حساب مستقبل الأجيال القادمة.
الدكتور عناد أبو زيد











طباعة
  • المشاهدات: 3132
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
20-12-2025 04:47 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك، هل تنجح إدارة ترامب وحكومة الشرع في القضاء على "داعش" بسوريا؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم