حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,16 ديسمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 3373

د.عاصم منصور يكتب: لماذا تغير طعم الدهشة؟

د.عاصم منصور يكتب: لماذا تغير طعم الدهشة؟

د.عاصم منصور يكتب: لماذا تغير طعم الدهشة؟

16-12-2025 12:25 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د.عاصم منصور
لماذا تغير طعم التفاح؟ ربما يكون هذا العنوان لمقال للأستاذ إبراهيم جابر إبراهيم، من أكثر المقالات التي حظيت بالشهرة خلال الأعوام الماضية، كونه لعب على وتر حساس لدى الناس، وهو الحنين إلى الماضي في زمن تبدلت فيه نكهة كل شيء. ولو قُدِّر لأحدهم أن يكتب جزءًا محدَّثًا للمقال لقال: لم يتغير طعم التفاح وحده، بل تغير معه طعم الدهشة حتى أننا فقدنا القدرة على الانبهار.


فنحن اليوم محاطون بما كان يُعدّ قبل عقود ضربًا من الخيال العلمي، تطبيقات ذكية تكتب وتفكر وتقترح، وأخبار تأتي من أقصى الأرض في لحظة، وذكاء اصطناعي ينظم القصائد ويكتب الروايات بأحاسيس ومشاعر جياشة يحسده عليها مجانين ليلى. ومع ذلك، حين نطالع وجوه الناس في الشوارع والمقاهي ووسائل المواصلات، نرى تعبا ورتابة أكثر مما نرى اندهاشا وفرحا بزمان «المعجزات» هذا.
جزء من حكايتنا يبدأ من السوشال ميديا، تلك الآلة الجبارة التي حوّلت تفاصيل حياتنا إلى «محتوى»، فلم يعد الجمال يُعاش بهدوء، بل يُصوَّر ويُنشر ويُقاس بعدد الإعجابات، ولحظات الفرح، وأصبحت مشاهد الطبيعة، وأخبار الحروب، ومقاطع الكوارث؛ كلها تمر في نفس الشريط وبالسرعة ذاتها، ومع هذا التكرار المفرط، يصبح الاستثنائي عاديًّا، والعادي مملًّا، فلا يعود شيء قادرًا على أن يأخذ منا تلك الوقفة الصامتة: «يا الله… ما أروع هذا!».
وتغذي الخوارزميات هذا الخدر العاطفي؛ فهدفها أن نبقى أطول وقت ممكن أمام الشاشات، لا أن نخرج منها أكثر دهشة أو عمقًا. لهذا تقدّم لنا جرعات متلاحقة من «الغرابة» و»الصدمة» و»الإثارة السريعة»، ثم تتركنا بعد كل هذا في حالة بلادة شعورية، تماما كالجائع الذي أتى على كمية كبيرة من الوجبات السريعة دون أن يتذوق منها شيئًا.
ثم جاء الذكاء الاصطناعي ليضع لمسته الحاسمة على المشهد، فما كان يُعتبر معجزة تقنية أو ثمرة عبقرية استثنائية، أصبح اليوم تطبيقًا مجانيًّا أو خدمة شهرية. نكتب سطرًا فتخرج لنا مقالة، نصف فكرة فتولد صورة، نطلب لحنًا فيُؤلَّف لنا في ثوانٍ، ومع الوقت، نعتاد هذا «السحر» حدّ أن نفقد القدرة على رؤيته سحرًا، فنطالبه أن يكون أسرع وأدق وأرخص، لا أن يوقظ فينا سؤالًا واحدًا عن حدود العقل البشري وحدود الآلة.
فقدان القدرة على الاندهاش ليس مجرد حالة مزاجية، بل هو تغيير عميق في علاقتنا بالعالم، فالدهشة هي تلك الشرارة الأولى التي تدفع الطفل ليسأل، والعالِم ليبحث، والعاشق ليذوب والفنان ليبدع، وحين تتوقف الدهشة، نميل إلى قبول كل شيء كما هو، بلا أسئلة ولا محاولة للفهم أو حافز للتفكر، فنصبح أقرب إلى متفرجين منهكين على مسرح يعرض أعظم العروض لكننا نشاهدها بعيون نصف مغمضة.
ربما لم يتغير طعم التفاح وحده، بل تغيّر أيضًا طعم الدهشة في أفواهنا وقلوبنا، لكن استعادتها ليست مستحيلة؛ يكفي أحيانًا أن نتوقف لحظة، نرفع أعيننا عن الشاشات، وننتبه أنه ما زال في هذا العالم ما يستحق أن نندهش لأجله بصدق.











طباعة
  • المشاهدات: 3373
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
16-12-2025 12:25 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تجر فرنسا وبريطانيا وألمانيا أوروبا لحرب مع روسيا رغم خطة ترامب لحل النزاع بأوكرانيا؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم