08-12-2025 04:50 PM
بقلم : دُعاء أبوفارة
شهدت المجتمعات العربية خلال السنوات الأخيرة موجات متتالية من ارتفاع الأسعار، شملت السلع الأساسية والخدمات ووسائل النقل والطاقة. لم يعد هذا الارتفاع مجرّد ظاهرة اقتصادية عابرة، بل تحوّل إلى عامل يُعيد تشكيل نمط حياة الأفراد، ويغيّر سلوكهم الاستهلاكي، ويؤثر في استقرارهم النفسي والاجتماعي. ومن هنا تأتي أهمية دراسة انعكاسات غلاء الأسعار على حياة المواطن، ليس من منظور معيشي فقط، فهو لا يقتصر على تقليص القدرة الشرائية للمواطن فحسب، بل يمتدّ تأثيره ليطال مجالات أخرى مثل: البطالة و العنوسة، وهي كقضية تتقاطع فيها الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسلوكية.
أولًا: خلفيات ارتفاع الأسعار:
يرتبط ارتفاع الأسعار بمجموعة من العوامل العالمية والمحلية، من أبرزها:
1. اضطراب سلاسل التوريد العالمية نتيجة الأزمات الصحية والسياسية.
2. زيادة تكاليف الإنتاج بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والنقل.
3. التغيرات المناخية التي أثّرت في الإنتاج الزراعي.
4. السياسات الاقتصادية مثل رفع الضرائب أو تحرير أسعار بعض السلع.
5. الاعتماد المفرط على الاستيراد مقابل ضعف الإنتاج المحلي.
ثانيًا: تأثير ارتفاع الأسعار على نوعية الحياة:
لم يعد المواطن يتأثر في قدرته المادية فقط، وإنما تغيرت جودة حياته بشكل ملموس:
1. تراجع القدرة الشرائية:
أصبحت الرواتب غير قادرة على مواكبة الأسعار، مما دفع الأسر إلى إعادة ترتيب أولوياتها، وتقليل الإنفاق على الطعام، والملبس، وحتى العلاج أحيانًا.
2. التحول نحو بدائل أقل جودة:
لجأت كثير من الأسر إلى شراء منتجات أقل سعرًا، حتى وإن كانت أقل جودة أو أقل فائدة صحية، وهو ما قد يحمل آثارًا طويلة الأجل.
3. ضغط نفسي متزايد:
بات المواطن يعيش في حالة دائمة من القلق بشأن المستقبل المالي، مما انعكس على الصحة النفسية وارتفعت نسب التوتر والاحتراق النفسي.
4. تغير أنماط الاستهلاك:
ظهرت سلوكيات جديدة مثل:
الشراء الجماعي لتقليل التكلفة.
الاعتماد على السلع المستعملة.
التخلي عن بعض العادات مثل تناول الطعام خارج المنزل.
أما فيما يتعلق بـالعنوسة، فإن ارتفاع الأسعار يترك أثرًا اجتماعيًا واضحًا؛ إذ يؤدي الغلاء إلى زيادة تكاليف الزواج من مهر، وسكن، وتجهيزات، ومصاريف معيشة، مما يجعل الكثير من الشباب عاجزين عن تحمّل هذه الأعباء في ظل دخل محدود وارتفاع مستمر في الأسعار. ومع اتساع فجوة الدخل وازدياد الضغوط الاقتصادية، يُؤجّل العديد من الشباب قرار الزواج لسنوات أطول، مما يساهم في ارتفاع معدلات العنوسة داخل المجتمع
الفئة الأكثر ضرر في هذه القضية:
أصحاب الدخل المحدود والمتوسط هم الفئة الأكثر تضررًا من التضخم، لأن الجزء الأكبر من دخلهم يُنفق على الضروريات اليومية مثل الغذاء، الإيجار، النقل، والتعليم.
مقارنة ارتفاع الأسعار 2010–2025
2010–2019 :مستوى تضخّم معتدل ومنخفض مرحلة تعافٍ بعد أزمة 2008، ومعظم الدول سجلت تضخّمًا منخفضًا أو مستقرًا نسبيًا خلال العقد الأول من الفترة. هذا أعطى انطباع استقرار نسبي في الأسعار حتى أواخر 2019.
2020 (جائحة كوفيد-19): هبوط متباين ثم بداية صعود في بداية الجائحة هبط الطلب في بعض القطاعات لكن سياسات التحفيز وكسر سلاسل التوريد مهدّت لارتفاع لاحق.
2021–2022: موجة تضخّم حادّة عالمية بعد تعافي الطلب وامتداد اضطرابات سلاسل التوريد، مع صدمة أسعار الطاقة والغذاء (ثم تفاقمت بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا في 2022)، سجّلت الدول ارتفاعات كبيرة في معدلات التضخّم
2023–2024: تراجع تدريجي للتضخم لكن ببطء وباختلاف بين الدول بعض الاقتصادات الكبرى بدأت تخفّف الضغوط التضخّمية بفضل سياسات نقدية مشددة وتحسّن سلاسل التوريد، لكن هناك فرق كبير بين دول (بعضها عاد لمعدلات قريبة من الأهداف، وبعضها ظلّ يعاني تضخّمًا مرتفعًا).
2025 (جزئي/متاح حتى الآن): مزيد من التباين؛ الكثير من الاقتصادات تعود لمعدلات أقل، وبعضها يواجه ضغوطًا مستمرة البيانات السنوية النهائية لعام 2025 قد تختلف حسب الدولة، لكن الاتجاه العام هو تَراجع نسبي عن ذروة 2022 مع استمرار مخاطر (طاقة، سياسات نقدية، أسعار الأغذية).
دور الدولة والمجتمع في مواجهة المشكلة
لا يمكن للمواطن مواجهة الغلاء وحده، بل يتطلب الأمر حلولًا تكاملية تشمل:
1. تعزيز الإنتاج المحلي لتقليل الاعتماد على الاستيراد.
2. ضبط الأسواق ومنع الاحتكار من خلال رقابة فعّالة.
3. توجيه الدعم للفئات الأكثر حاجة بشكل عادل وفعّال.
4. التوعية بالثقافة المالية لمساعدة الأسر على إدارة ميزانياتها بشكل أفضل.
إن ارتفاع الأسعار ليس مجرد ظاهرة اقتصادية، بل هو متغير يعيد تشكيل حياة المواطن بكامل تفاصيلها. ورغم التحديات الكبيرة، ما يزال أمام المجتمع والدولة فرص حقيقية للتعامل مع هذه الأزمة بطرق مبتكرة وفعّالة. وتظل الخطوة الأولى هي الوعي بحجم المشكلة، وفهم آثارها، والعمل على تخفيفها بقدر الإمكان.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
08-12-2025 04:50 PM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||