بقلم : ادهم مساعدة

يشهد العصر الرقمي اليوم تدفقاً هائلاً للمعلومات عن كل فرد، مما جعل البيانات أحد أهم الأصول الاستراتيجية للشركات والمؤسسات. ومع ذلك، فإن التحدي الحقيقي لا يكمن في حجم المعلومات المتاحة، بل في قيمتها الفعلية وقدرتها على إنتاج فهم عميق للسلوك المستقبلي للمستهلك. وفي ظل هذا التشبّع، يبرز سؤال جوهري: ما نوع البيانات التي ستظل ذات قيمة خلال السنوات القادمة؟

أولاً، ستستمر البيانات السلوكية في كونها الأكثر أهمية، لأنها تعكس تفضيلات المستهلك وقراراته الواقعية، ولا تقتصر على تصوراته. فبيانات مثل أنماط الشراء، وتكرار الاستخدام، والمسارات الرقمية داخل التطبيقات تساعد الشركات على التنبؤ باحتياجات العملاء وتصميم تجارب شخصية دقيقة، ما يجعلها ذات قيمة متنامية في المستقبل.

ثانياً، ستكون البيانات السياقية ذات قيمة متزايدة. فمع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، ستصبح معرفة “الظرف” الذي يتخذ فيه المستهلك قراراً—مثل الوقت، والموقع، والمزاج، ونوع الجهاز المستخدم—عاملاً أساسياً لفهم دوافعه ونيّاته المستقبلية. هذا النوع من البيانات يعزز جودة التوصيات ويجعل الحملات التسويقية أكثر تأثيراً.

ثالثاً، من المتوقع أن ترتفع قيمة بيانات القيم والاتجاهات الشخصية، مثل الاهتمامات وأولويات نمط الحياة والتوجهات الأخلاقية. فالمستهلكون في المستقبل سيبحثون عن العلامات التجارية التي تتوافق مع رؤيتهم، ما يجعل هذه البيانات أساساً لبناء ولاء طويل الأمد.

وفي الأردن، يشير تقرير Information and Communications Technology Association of Jordan (Int@j) / DataReportal إلى ارتفاع معدل استخدام الإنترنت إلى نحو 92.5٪ من إجمالي السكان بحلول مطلع عام 2025، ليصل عدد مستخدمي الإنترنت إلى 10.7 مليون مستخدم تقريباً. كما يعتمد حوالي 90٪ من هؤلاء المستخدمين على الهواتف المحمولة للوصول إلى الإنترنت، ما يؤكد أن الهواتف الذكية أصبحت جزءاً محورياً من الحياة اليومية.

وكمثال واضح على التحول الرقمي في الأردن، أطلقت الحكومة مشروع رقمنة الخدمات الحكومية، حيث تم رقمنة نحو 67.5٪ من الخدمات بحلول عام 2025 — أي أن أكثر من ثلثي المعاملات التي كانت تتطلب زيارة مكاتب حكومية أصبحت متاحة الآن عبر الإنترنت. إضافة إلى ذلك، يمتلك الأردنيون أكثر من 1.8 مليون هوية رقمية مفعّلة عبر تطبيق SANAD، مما يعكس مدى التقدم التقني وعمق التحول الرقمي في بنية الخدمات الحكومية.

أخيراً، ستكون البيانات الموثوقة والمصرّح بها هي الأكثر قيمة. ففي ظل تصاعد قوانين حماية الخصوصية، ستصبح موافقة العميل وشفافية جمع البيانات معياراً رئيسياً يمنح الشركات ميزة تنافسية مستدامة.

باختصار، لن تكمن قيمة البيانات في حجمها، بل في قدرتها على تقديم رؤى تنبؤية، واحترام الخصوصية، وتعزيز العلاقة الإنسانية بين العلامة التجارية والمستهلك. وهذه هي البيانات التي ستظل الأكثر تأثيراً خلال السنوات 2–5 المقبلة