08-12-2025 08:17 AM
بقلم : د. دانا خليل الشلول
في منطقة شديدة التعقيد، برزت دولة قطر كحالةٍ فريدة، محوّلةً ثروتها الهائلة من مصدر الطاقة إلى قوةٍ ناعمةٍ ونفوذ دبلوماسي لا يمكن تجاهله.
فيما يُمثّل الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مهندس هذه الاستراتيجية الجديدة، التي تهدف إلى ترسيخ الدوحة كـ "جسر حوار" يلجأ إليه الجميع، من واشنطن إلى طهران، ومن غزة إلى كابول، حيث إنَّ هذا التشبيه بـ 'سويسرا الشرق الأوسط' لا يقوم على مفهوم الحياد السلبي؛ بل على دورها كقوة محايدة منخرطة بنشاط لإدارة الأزمات، حيث إنَّ هذا التحوّل في الأدوار ليس مجرد استعراض للقوة؛ بل هو استثمار في الاستقرار الإقليمي، ونتاج استراتيجية محسوبة بعناية تقوم على ركيزتين أساسيتين: الأولى هي الحياد المدروس الذي منحها الثقة اللازمة لتكون طرفاً مقبولاً على طاولة المفاوضات العالميّة، والثانية هي القوة الاقتصادية والمالية التي سمحت لها بتقديم حوافز لـ "تليين" المواقف وتوفير أرضية مشتركة للتسوية، وقد تجلّى ذلك بوضوح في قدرتها على استضافة المكاتب السياسية للجماعات المتصارعة، الأمر الذي سمح بالتواصل المباشر والفعّال.
أما بالنسبة لدول الجوار الشقيقة مثل المملكة الأردنية الهاشمية، والتي تقوم بجهودٍ حثيثة لحفظ السلام في المنكقة؛ فإنَّ نجاح الدبلوماسية القطرية في احتواء الأزمات أو فك تعقيدات الملفات الساخنة ينعكس مباشرةً على الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي للمنطقة برمتها؛ لذا، فإنَّ تحليل بصمات الشيخ تميم الدبلوماسية هو قراءة في مستقبل الاستقرار الإقليمي الذي يلامس مصالحنا الوطنية بشكل مباشر.
من كابول إلى غزة: بصمات الوسيط الذي لا يغيب:
فيما أنَّ نجاح الاستراتيجية القطرية يُقاس بحجم الأزمات التي تمكنت من اختراق جدرانها؛ وأبرز مثالين على ذلك هما الملف الأفغاني والأزمة الفلسطينية؛ ففي أفغانستان، أصبحت الدوحة مركزاً دولياً للتفاوض، حيث استضافت محادثات السلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، ونجحت لاحقاً، بعد الانسحاب، في تسيير عمليات الإجلاء المعقدة، مؤكدةً موقعها كشريكٍ موثوق لأطراف دولية وإقليمية متباينة. أما في الأزمة الفلسطينية، فقد لعبت قطر دوراً محورياً غير قابل للاستبدال، سواء عبر دعمها المالي والإنساني المستمر لقطاع غزة، أو عبر دورها النشط كقناة اتصال رئيسية بين حماس وإسرائيل والولايات المتحدة، وهو الدور الذي أثبت أهميته القصوى في إبرام صفقات تبادل الأسرى. فضلاً عن أنَّ هذا الوجود الفعّال في أخطر بؤر الصراع يؤكد أنَّ الأمير تميم لم يكتفِ بمجرد إعلان الحياد؛ بل استثمر فيه ليصبح قوة فعلية لـ "إدارة الأزمات" بدلاً من انتظار حلها.
القوة الناعمة والدعم المشترك: التعاون الأردني-القطري:
لا تقتصر استراتيجية قطر الدبلوماسية على الوساطة في بؤر النزاع؛ بل تتعداها إلى بناء شبكة من التحالفات الإقليمية عبر أدوات القوة الناعمة، وفي مقدمتها الاستثمار في الإعلام المتمثل بشبكة الجزيرة، واستضافة الأحداث الرياضية الكبرى مثل كأس العالم.
وفي ذات السياق، تظهر العلاقة مع المملكة الأردنية الهاشميّة كنموذج للشراكة الاستراتيجية وتكامل الأدوار؛ فكلا البلدين يدعم مسار السلام والاستقرار. وإلى جانب الدور الحيوي لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين ورؤيته في ترسيخ الأمن القومي وقيادة الإصلاحات الاقتصادية، يأتي التعاون القطري ليُشكّل رافداً اقتصادياً داعماً يعزز صمود المملكة.
بالإضافة إلى ذلك، يشكل الاستقرار السياسي والأمني المتجذر في المملكة ودورها المحوري في ملفات القدس والوصاية الهاشمية مرتكزاً سياسياً لا غنى عنه للدبلوماسية القطرية في مساعيها الإقليمية؛ مما يؤكد أن الاستقرار الإقليمي هو مسؤولية مشتركة، والأردن أحد أهم ركائزها الأساسية.
أخيراً، إنَّ هذه الجهود الدبلوماسية الاستثنائية التي يقودها الشيخ تميم لا تُشكّل مجرد إضافة لملف السياسة الخارجية القطرية؛ بل هي رهان على مستقبل يرفض الصراع ويميل نحو التفاهم.
أما بالنسبة للمراقب الأردني، تظل قطر بمثابة محطة إقليمية ضروريّة تُسهم في تخفيف حدة التوترات المحيطة، وهو ما يخدم الأجندة الأردنية الداعية للسلام والاستقرار؛ فهكذا يواصل الأمير تميم نسج شبكة من العلاقات المتشابكة التي تضمن لقطر نفوذاً مستداماً، ويُرسّخ نهجاً قياديّاً يجمع بين الاستثمار الحكيم لمصدر الطاقة والرؤية الدبلوماسية بعيدة المدى؛ مؤكداً أنَّ المستقبل في المنطقة ملك للقادرين على إدارة التعقيدات بحياد واقتدار.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
08-12-2025 08:17 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||