03-12-2025 01:33 PM
بقلم : عقيد متقاعد محمد الخطيب
كثيرون يردّدون أنهم لم يعودوا يشاهدون التلفزيون، وتحديدا التلفزيون الأردني، لكنّ المفارقة اللافتة أنّ النقاشات حول برامجه الجديدة، وأداء مذيعيه، وتفاصيل إنتاجه، تحتل مساحة واسعة من المتابعة والتحليل. هذا التناقض لا يمكن قراءته إلا بوصفه اعترافا غير مباشر بأن التلفزيون الأردني ما زال حاضرا في الوعي العام، وقادرا على إثارة الجدل وصناعة النقاش.
إنّ أي محاولة تحديث أو تطوير في الإعلام، بطبيعتها، لا تسير في طريقٍ معبّد بالتصفيق وحده، ولا معصومة من الخطأ. والتجربة الجديدة التي يخوضها التلفزيون الأردني اليوم هي جزء من مسار إصلاحي ضروري في الإعلام الوطني، يهدف إلى تجديد الشكل والمضمون، ومخاطبة أجيال جديدة، بلغة العصر وأدواته، دون التفريط بالثوابت المهنية والوطنية.
ما يُحسب لهذه التجربة هو جرأتها على التغيير، وإيمانها بقدرات الشباب، ومنحهم الفرصة ليكونوا في الواجهة، كمقدّمين وصنّاع محتوى، يتعلّمون ويجتهدون ويخطئون ويصيبون، كما فعل من سبقهم. فالإعلام لا يتطوّر بتكرار الوجوه والنصوص ذاتها، بل بفتح المساحات، وتدوير الفرص، وبناء تراكم مهني طويل النفس.
وفي خضم هذا المشهد، يلفت الانتباه أن جزءا من النقد خرج في بعض الأحيان عن إطاره المهني، ليتحوّل إلى تنمّر واضح، يستهدف الأشخاص لا الأفكار، والشكل لا المضمون، ويغفل عن قصد أو غير قصد الفارق بين التقييم الموضوعي والتجريح.
هذا النوع من السلوك لا يخدم تطوير المحتوى ولا ينهض بالإعلام، بل يكرّس ثقافة الإحباط ويضرب الثقة، خاصة حين يطال وجوها شابة في بداياتها، تحتاج إلى التوجيه والدعم أكثر من السخرية والتشكيك. فالتنمر ليس رأيا، ولا يُصنّف ضمن حرية التعبير، بل هو ممارسة سلبية تُفقد النقد قيمته، وتشوّه النقاش العام بدل أن تثريه.
كما أنّ الإنصاف يقتضي الإشادة بكل إعلامي وإعلامية داخل هذه المؤسسة الوطنية، من مذيعين ومعدين، ومخرجين وفنيين، وكوادر إدارية، ومدراء يعملون في ظروف ليست سهلة، ويحملون على عاتقهم مسؤولية تقديم خطاب متوازن، يحترم عقل الجمهور، ويحافظ على صورة الدولة، ويؤدي واجبه تجاه المجتمع.
إنّ النقد حق، بل ضرورة، لكنّ قيمته الحقيقية تكمن في أن يكون مهنيا، موضوعيا، موجّهًا لتحسين الأداء لا لتحطيمه، ولتصويب المسار لا لإحباط القائمين عليه. فالإعلام الوطني لا يتقدّم بالصمت، ولا يرتقي بالسخرية، بل بالحوار المسؤول، وبالشراكة بين المؤسسة والجمهور، وبين التجربة والنقد العاقل.
في المحصّلة، لا تكمن القضية فيمن يشاهد أو لا يشاهد، بل في كيف نختلف، وكيف ننتقد، ولماذا. فالتلفزيون الأردني، بتاريخه ودوره، ليس مجرّد شاشة، بل جزء من الذاكرة الوطنية، ومن مشروع إعلامي يستحق الدعم، والتطوير، والإنصاف. والله من وراء القصد
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
03-12-2025 01:33 PM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||