01-12-2025 10:18 AM
بقلم : الدكتور فارس العمارات
شهد العالم الرقمي في الآونة الأخيرة طفرة هائلة في إنتاج المحتوى بمختلف أنماطه وأشكاله، ما يتيح لأي فرد فرصة الوصول إلى جمهور واسع بسرعة وبأقل مجهود، حتى لو لم تتوفر لديه معرفة عميقة أو خبرة كافية. هذه السهولة باتت سببًا في انتشار محتوى سطحي على منصات التواصل الاجتماعي، مما يطرح تساؤلات مستمرة حول العوامل التقنية، الاقتصادية، القانونية، والاجتماعية التي ساعدت على ترسيخ هذه الظاهرة. وبينما قدمت التكنولوجيا فرصًا غير مسبوقة للمشاركة، فإن هذه المشاركة غالبًا ما تُرفَق بثقة مفرطة وإنتاج محتوى قد يفتقر إلى المعايير المعرفية أو الجودة المطلوبة.
وان تأثير المعرفة المحدودة يكشف ميل الأفراد ذوي المعرفة المحدودة إلى التضخيم في تقدير قدراتهم وهذا التصور الخاطئ يؤدي بهم إلى نشر محتويات رقمية ضعيفة من حيث العمق والمصداقية،وفي المقابل غالبًا ما يكون الأفراد الأكثر إدراكًا ومعرفة وأكثر ميلًا للحيطة والتردد في المشاركة الرقمية بسبب وعيهم بحجم المسؤولية ومدى تعقيد القضايا، ومن ناحية أخرى، يسُهم الاقتصاد الرقمي بشكل ملحوظ في تغذية هذه الظاهرة، حيث تستند منصات التواصل الاجتماعي إلى تحقيق الأرباح السريعة عن طريق جذب الإعلانات.
ويشجع هذا الدافع العديد من صناع المحتوى على إنتاج مواد تهدف فقط لتوليد التفاعل والمُشاهدات حتى وإن كانت الجودة ضعيفة ،والنتيجة هي أن التركيز ينصبّ على تحقيق أقصى انتشار بدلاً من إنتاج محتوى هادف ومفيد، ولفهم الفضاء الرقمي وتطور الفضاء العام لفاصبحت الحاجة مهمة لكنُه طبيعة الفضاء الرقمي وتأثيراته، ، حيث كان الفضاء العام سابقًا يمثل منطقة للحوار العقلاني بين الأفراد لمناقشة قضايا المجتمع بعيدًا عن السلطات السياسية والاقتصادية. لكن الزمن تغيّر مع الثورة التكنولوجية، مما أدى إلى امتداد هذا الحيز التقليدي إلى فضاء رقمي جديد شكّل مجالًا واسعًا للتفاعل الاجتماعي وصياغة الرأي العام، ومع ذلك تأثر هذا الفضاء الجديد بعوامل أخرى مثل: ظهور الخوارزميات وتحكم المصالح الاقتصادية فيه.
وتركز الخوارزميات التي تدير مواقع التواصل الاجتماعي بشكل أساسي على المحتوى الذي يُحقق تفاعلًا كبيرًا بغض النظر عن جودته أو تأثيره الإيجابي، مما يجعل المحتوى السطحي والمُثير هو الأوفر حظًا في الانتشار ، وبالتالي يمكن لهذه العملية التأثير بشكل سلبي على سياسات الرأي العام وتكوين وجهات النظر المجتمعية من خلال اعتمادها على إثارة الانفعالات بدلاً من نشر المعرفة العميقة والتنظيم التقني وتأهيل صناع المحتوى لمعالجة هذه التحديات، هناك حاجة ماسة لإرساء أطر قانونية وتنظيمية لتوجيه الفضاء الرقمي نحو مسارات تدعم جودة المحتوى وتحقق الشفافية على مستوى الخوارزميات المستخدمة وان من المُهم أن تكون هناك ضوابط وانظمة مُصممة لتعزيز المواد ذات القيمة المعرفية بدلاً من تعزيز الانتشار الواسع لأي محتوى بغض النظر عن أهميته فضلا عن ان تأهيل صناع المُحتوى أمر جوهري لرفع مستوى ما يُقدَّم على هذه المنصات ، ويتطلب ذلك تطوير مهارات التفكير النقدي وتعزيز الفهم العميق لأخلاقيات الإعلام الرقمي ، وتأهيل صناع المحتوى من خلال برامج تدريبية متخصصة سيمكنهم من تقديم مواد ذات أهمية وقيمة حقيقية بدلًا من السعي وراء التفاعل السريع فحسب.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
01-12-2025 10:18 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||