حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,22 نوفمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 2242

الربابعة يكتب: المغرب أمانةٌ في أعناق العلويين

الربابعة يكتب: المغرب أمانةٌ في أعناق العلويين

 الربابعة يكتب: المغرب أمانةٌ في أعناق العلويين

22-11-2025 04:30 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : الدكتور هيثم الربابعة
يُشكّل تاريخ العواصم المغربية مدخلًا غنيًا لفهم تشكّل الدولة المغربية ومسار تطورها بوصفها كيانًا سياسيًا وثقافيًا متجذرًا في التاريخ، تعاقبت على حكم المغرب سلالات متعددة جعلت من مدن معينة عواصم سياسية وإدارية، غير أنّ هذه المدن تجاوزت وظيفة الحكم لتصبح فضاءات لصياغة الهوية المغربية في أبعادها الدينية والعلمية والعمرانية.

كانت فاس منارة للعلم والفقه، ومراكش رمزًا للقوة العسكرية والانفتاح التجاري، ومكناس نموذجًا للتنظيم المركزي والعمران الملكي، بينما جسدت الرباط مفهوم الاستمرارية والانفتاح في العهد الحديث. ومن خلال تتبّع مسار هذه المدن، يمكن تلمّس كيف عبّر التحول من عاصمة إلى أخرى عن تطور في بنية الدولة المغربية وتفاعلها مع التحولات السياسية والاجتماعية في كل حقبة من تاريخها.

منذ أن انبثق فجر الدولة العلوية الشريفة من رحم التاريخ، وتلألأت شمسها على ربوع المغرب الأصيل، انكتب على جبين الزمان عهدٌ لا يخبو ضياؤه: أن يكون هذا الوطنُ أمانةً موكولة إلى سلالةٍ عربيةٍ عريقةٍ، حملت شرف البيعة ووهج الإمارة، وجعلت خدمة البلاد ديناً ووفاءً ومسؤوليةً لا تنقضي.
فما تعاقب الملوك العلويون على عرش المغرب إلا وهم يدركون أن الحكم تكليف قبل أن يكون تشريفاً، وأن الوطن ليس رقعة أرضٍ فحسب، بل روحٌ تسري في عروقهم، وميثاقٌ يربطهم بأعمق خيوط القداسة والإلتزام.

لقد ورث العلويون إمارة المؤمنين، فكانوا أمناء على دينٍ وسطيٍّ يزدان حكمةً ورحابةً.
حملوا مشعل المذهب المالكي، وصانوا العقيدة من غوائل الإنحراف، فجُمعت كلمة المغاربة تحت راية واحدة لا يضل فيها العقل، ولا ينحرف فيها القلب.
ومن ظلّ هذا النظام الروحي الذي لم تزل جذوره ممتدةً في عمق التاريخ، بقي المغرب واحة أمنٍ ديني وإستقرار فكري، تقصده الأعينُ حين تضلّ السبل، وتلوذ به النفوس حين يشتد إضطراب العصر.

ولعل أعظم الأمانات وأجلها تلك التي تعلقت بتراب المغرب، أرضاً وجبالاً ورمالاً وبحاراً.
فلم يزل الملوك العلويون، منذ المولى إسماعيل، يسهرون على صيانة حدود الوطن كمن يسهر على حدقة العين، يدافعون عنها بالحنكة حين تقتضي السياسة، وبالعزم حين تنادي المروءة، وبالإقدام حين يشتد رهان الوجود.
وفي هذا العصر، تتجدد الأمانة على يد الملك محمد السادس، حيث تحولت الصحراء المغربية إلى ورش بناءٍ وتنمية، لا إلى مجرد ملفٍّ سياسي. فأضحت شاهداً على صمود المغرب، ومسرحاً لتجسيد عهده الأبدي مع وحدته التي لا تقبل المساومة.

ومع إمتداد الزمن، إتسعت رقعة الأمانة لتشمل نهضة الأمة وإرتقاء الإنسان.
فهنا تبدّت القيادة العلوية في أبهى تجلياتها: رؤية نافذة، وإصلاحات متلاحقة، ومشاريع تحوّل البلاد من أطرافها إلى قلبها.
من الطرق السيارة التي تشقّ الجبال، إلى الموانئ التي تعانق الآفاق، إلى المبادرات الإنسانية التي تنفذ إلى حاجات الإنسان قبل جسده وروحه، كل ذلك شهادة على أن الأمانة لم تُترك لعابري السبيل، بل تعهدها العرش العلوي بصدقٍ وإخلاص.

أن هذا الوطن ليس ملكاً للحاضر وحده، بل هو ميراثٌ للأحفاد، ووديعةٌ للأعماق الممتدة في الغد.
ولذلك كان العرش العلوي ضامناً لمسار المغرب نحو المستقبل؛ يسير بخطى موزونة بين الأصالة التي تحفظ الجذور، والحداثة التي تبني الأجنحة.

يبقى المغرب، في ضمير العرش العلوي، أمانةً سماويةً، تزداد بهاءً كلما حملها ملكٌ من ملوك هذه السلالة بصدق الواجب وطهارة النية.
أمانةٌ صنعت مجداً، وحمت هوية، ورعت تراباً، وجعلت من المغرب قصة دولةٍ لا تنكسر، ورايةٍ لا تنحني، وتاريخٍ لا يبهت لونه مهما تعاقبت الأزمان.

فليظل العرش العلوي، كما كان عبر القرون، سدرَ الوطنِ وظلَّه، وسياجه المتين، ونبض وحدته الخالد



الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي








طباعة
  • المشاهدات: 2242
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
22-11-2025 04:30 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل يرضخ نتنياهو لضغوط ترامب بشأن إقامة دولة فلسطينية؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم