20-11-2025 09:50 AM
بقلم : الدكتور فارس العمارات
شهد العالم في العقدين الأخيرين تحولاً جذريًا وغير مسبوق في مجال الاتصال الرقمي، حيث أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يُمكن فصله عن حياتنا اليومية. فقد تحولت هذه المنصات إلى أدوات رئيسية للتعبير عن الآراء، ونشر المعلومات، والتواصل بين الأفراد والمجتمعات ،ومع ذلك ؛ لم تخلُ هذه الثورة الرقمية من تحديات ومخاطر عديدة؛ ربما كان أبرزها انتشار المحتوى غير الهادف وغير الأخلاقي خصوصًا بين القُصَّر والشباب، وسط غياب الرقابة الأسرية والتوجيه المناسب ،وهذه الظاهرة تثير قضايا عميقة ترتبط بالجوانب الاجتماعية، والأخلاقية، والشرعية، والقانونية، وتتطلب جهودًا مدروسة لمواجهتها. لقد بات انتشار المحتوى غير الهادف وغير الأخلاقي ظاهرة مُقلقة، ويمكن تعريف المحتوى غير الهادف بأنه ذلك الذي يخلو من القيمة أو الرسالة الإيجابية ويركّز فقط على التسلية الفارغة أو الترفيه المبتذل. أما المحتوى غير الأخلاقي فهو أشد خطورة، إذ يشمل ما يتعارض مع القيم الدينية والاجتماعية ويلجأ إلى ألفاظ وسلوكيات لا تتناسب مع الأخلاق العامة، ما يجعله متاحًا لجمهور واسع يتضمن الأطفال والمراهقين. وتتفاقم المعضلة عندما يكون مبتكرو هذا المحتوى شبابًا يسعون خلف الشُهرة السريعة وجذب المُتابعين، دون إدراك لتبعات ما ينشرونه ،وفي ظل غياب التوجيه الأسري والإشراف التربوي، يتحوّل العالم الرقمي إلى فضاء مفتوح للسلوكيات التي قد تضر بالفرد والمجتمع على حد سواء،ومن الناحية الاجتماعية ومنظومة القيم ، فان انتشار مثل هذا النوع من المحتوى ينُذر بانهيار القيم المُجتمعية.
فوسائل التواصل لم تعد مجرد أدوات للترفيه؛ بل أصبحت منصات مؤثرة في تشكيل الرأي العام وصياغة الوعي الجمعي ،وعندما يزداد انتشار هذا المحتوى السلبي، فإنه يضعف القيم الأساسية ويشجع السلوكيات الخاطئة، خصوصًا لدى الفئات العمرية الشابة. كما يؤدي ذلك إلى تعميق الفجوة بين الأجيال؛ حيث يراه الكبار انحرافًا عن القيم والتقاليد، بينما يعتبره الشباب حرية شخصية أو سبيلًا للمتعة ،وهذه التحولات تؤدي إلى تآكل القيم المشتركة، ما يهدد بانقسام مجتمعي وضعف في الهوية الثقافية. أما البُعد الأخلاقي لهذه القضية فيرتبط بمسؤولية الفرد تجاه مُجتمعه، وفي ظل التأثير الكبير لمنصات التواصل الاجتماعي، لم يعُد الفرد معزولًا؛ بل أصبح كل ما ينشره انعكاسًا لشخصيته وأخلاقه، وهذا يجعل من الضروري أن يتحلى كل مستخدم بالمسؤولية في اختيار المحتوى الذي يقدمه؛ ذلك أن السلوكيات المُخالفة للأخلاق، كاستخدام الألفاظ المسيئة أو نشر المظاهر السلبية، تسهم في تعزيز الانحلال الأخلاقي الذي يهدد البيئة المجتمعية برمتها القيم .مثل :الحياء والاحترام أصبحت تُختبر الآن ليس فقط في الواقع، بل أيضًا في العالم الافتراضي الذي اصبح الكثير ينزلق فيه جراء عدم وجود تفكير مرتكز على كيفية السباحة في الفضاء الرقمي ، الذي اصبح مفتوحا للجميع وبدون حدود ، وقد يؤدي هذا الانزلاق الى ارتكاب جريمة او الاخلال بمنظومة المجتمع وقيمة وعاداته وتقويض اركان سيرورتها ، فضلا عن ما قد يلحق بالفرد من وصمة تجعله ملاحقا في كل مكان .
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
20-11-2025 09:50 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||