10-11-2025 08:27 AM
سرايا - تُعد مدينة روندا (Ronda) واحدة من أجمل مدن إسبانيا وأكثرها تفرّدًا، إذ تقف شامخة فوق جبال الأندلس في إقليم مالقة، كأنها معلّقة بين السماء والهاوية. يجذب السفر إلى روندا الزوار من مختلف أنحاء العالم بفضل طبيعتها الجبلية الآسرة، وهندستها المعمارية التي تشهد على عصور الأندلس، إضافة إلى مشاهد الوادي العميق الذي يفصل شقي المدينة القديم والجديد. روندا ليست مجرد محطة سياحية عادية، بل تجربة حقيقية تُدهش كل من تطأ قدمه شوارعها المرصوفة بالحجارة وتطلعاتها الساحرة نحو الجنوب الإسباني.
الجسور العريقة بين ضفتي الوادي أبرز ما يميز روندا هو وادي "إل تاخو" (El Tajo)، الذي يفصل المدينة إلى قسمين بعمق مذهل يقارب 120 مترًا. وقد بُنيت ثلاثة جسور عبر التاريخ لربط جانبي المدينة، أشهرها "الجسر الجديد" (Puente Nuevo) الذي اكتمل بناؤه في القرن الثامن عشر، ويُعد رمز روندا الأبرز. يتيح الجسر مناظر بانورامية مذهلة للوادي والحقول المحيطة، ويُعد وجهة رئيسية لالتقاط الصور.
إلى جانب ذلك، يبرز "الجسر القديم" (Puente Viejo) من العهد الإسلامي و"الجسر الروماني" (Puente Romano)، مما يعكس تعدّد الحضارات التي مرّت على المدينة. المشي عبر هذه الجسور يمنح تجربة تاريخية فريدة، حيث يشعر الزائر أنه يعبر الزمن بين حضارات وأزمنة مختلفة، كل منها ترك بصمته في هوية المكان.
روندا القديمة حكاية الأندلس تضم المدينة القديمة "لا سيوداد" (La Ciudad) إرثًا عربيًا وإسلاميًا غنيًا يعود إلى فترة الحكم الأموي ثم الموحدين في الأندلس. تتميز أحياؤها بالأزقة الضيقة والمنازل البيضاء ذات الشرفات الحديدية، مع حدائق هادئة ومساجد قديمة تحولت إلى كنائس مثل كنيسة سانتا ماريا لا مايور.
وتُعد "حمامات روندا العربية" من أبرز معالم تلك الحقبة، حيث تعود إلى القرن الثالث عشر وهي من أفضل الحمامات الإسلامية الباقية في إسبانيا، وتتميز بقاعاتها المقبّبة وفتحات الإضاءة التي تسمح بمرور الضوء إلى الداخل. أما "قصر موندراجون" (Mondrag n Palace)، فيحمل في تفاصيله جمال العمارة العربية وحدائقه المطلة على الوادي.
كما تحتضن روندا واحدة من أقدم ساحات مصارعة الثيران في البلاد: "ساحة بلازا دي طوروس" التي تعود للقرن الثامن عشر وتُعتبر مهد تقاليد مصارعة الثيران الحديثة. ورغم الجدل حول هذه الرياضة اليوم، تمثل الساحة عنصرًا مهمًا في تاريخ المدينة وثقافتها.
تجارب طبيعية وذواقة في قلب الأندلس تُعد روندا أيضًا بوابة مثالية لاستكشاف الطبيعة الأندلسية، فهي محاطة بالجبال والسهول الخضراء. يمكن للزوار ممارسة المشي لمسافات طويلة في محمية "سييرا دي لاس نييفيس" (Sierra de las Nieves)، أو اكتشاف القرى البيضاء المحيطة، مثل قرية ميخاس وماربييا على الساحل القريب. هذه الرحلات تمنح تجربة ساحرة تجمع بين الهواء النقي والأصالة الريفية.
أما في مجال الطعام، فتشتهر روندا بمطبخ أندلسي غني يعتمد على المنتجات المحلية، من زيوت الزيتون الشهيرة إلى الجبن واللحوم الباردة. ينتشر في المدينة عدد من المطاعم التي تقدم أطباقًا تقليدية مثل الـ"تاباس" و"الغزال المشوي"، فضلًا عن تقديم تجارب الطعام مع إطلالات ساحرة على الوادي. كما يمكن التوقف عند مزارع العنب القريبة لتذوق النبيذ المحلي الذي تشتهر به المنطقة.
في الختام، تبقى رحلة السفر إلى روندا تجربة لا تُنسى تجمع بين التاريخ العريق والطبيعة الآسرة. من الجسور المعلقة فوق الهاوية إلى الأزقة القديمة وروائح الأندلس، تقدم المدينة مزيجًا استثنائيًا يجعلها وجهة لا غنى عنها لمحبي السفر. روندا ليست مجرد مدينة تُزار، بل شعور عميق يرافق المسافر طويلًا بعد مغادرتها.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
10-11-2025 08:27 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||