09-11-2025 08:09 PM
سرايا - في قلب جبال الألب السويسرية، حيث تمتزج الثلوج البيضاء بالسكينة المطلقة، تقع منطقة إنجادين السفلي (Lower Engadine) التي تُعد واحدة من أكثر الوجهات هدوءًا وسحرًا في أوروبا خلال فصل الشتاء. تختلف هذه المنطقة عن المراكز السياحية الصاخبة في سانت موريتز أو زيرمات، إذ تمنح الزائر فرصة للهروب من الزحام والاقتراب من الطبيعة في أبهى صورها. هنا، يصبح المشي على المسارات المغطاة بالثلوج تجربة روحانية بقدر ما هي رياضية، تتخللها مناظر خلابة للجبال والوديان والقرى الصغيرة التي ما تزال تحافظ على طابعها الأصيل منذ قرون.
ممرات هادئة بين القرى والقمم البيضاء تمتد وديان إنجادين السفلي على طول نهر إين (Inn River) الذي يشق طريقه بين الجبال بصفاء يخطف الأنفاس. تضم المنطقة شبكة واسعة من مسارات المشي الشتوية تمتد لمئات الكيلومترات، مصممة خصيصًا لمن يفضلون السير على الثلوج بدلاً من التزلج. تبدأ بعض المسارات من قرى صغيرة مثل غواردا (Guarda) وسكانس (Scuol)، حيث يمكن للزوار الانطلاق في رحلات قصيرة أو طويلة وسط مناظر طبيعية ساحرة. ما يميز هذه الممرات هو هدوؤها؛ فغالبًا ما تسير فيها لساعات دون أن تصادف سوى عدد قليل من المتنزهين أو السكان المحليين، بينما تحيط بك جبال الألب المغطاة بالثلج كلوحة فنية نابضة بالحياة. وتوفر السلطات السويسرية خرائط دقيقة وإشارات واضحة تجعل المشي آمنًا وممتعًا حتى لغير المحترفين.
قرى أصيلة ودفء الضيافة السويسرية أحد أسرار جمال إنجادين السفلي هو الطابع الأصيل لمدنها وقراها الصغيرة التي لم تطغَ عليها الحداثة. فالبيوت ما تزال مبنية بالحجارة والخشب بأسلوب "إنجادين التقليدي"، وتزين جدرانها نقوش فنية عمرها مئات السنين. قرية غواردا تُعد من أجمل القرى في سويسرا، إذ حافظت على هدوئها وأناقتها رغم شهرتها، وتوفر لزوارها بيوت ضيافة صغيرة تقدم أطعمة محلية دافئة كالحساء السويسري أو طبق الـ"ريستي" الشهير. أما مدينة سكانس (Scuol) فهي مركز المنطقة الرئيسي، وتشتهر بمنتجعاتها الحرارية ومياهها المعدنية الغنية التي تجذب عشاق الاسترخاء بعد يوم من المشي في الثلوج. كل زاوية من هذه القرى تحمل طابع الضيافة الريفية الأصيلة التي تميز جبال الألب، حيث تُعامل كضيف عائلة لا مجرد سائح عابر.
التجربة الشتوية الكاملة بعيدًا عن الزحام إنجادين السفلي ليست فقط وجهة للمشي الهادئ، بل أيضًا مكان مثالي لعشاق الطبيعة والتصوير. في الصباح، ينعكس ضوء الشمس الذهبي على الثلوج في مشهد يأسر الأنظار، بينما تتردد أصوات الأنهار المتجمدة والعصافير الخجولة في الغابات المجاورة. يمكن للزائرين أيضًا تجربة الأنشطة الشتوية البسيطة مثل التزلج الريفي أو ركوب الزلاجات التي تجرها الخيول أو حتى السباحة في الينابيع الحرارية وسط الأجواء الباردة. ومع غياب الزحام الذي يطغى على الوجهات الشتوية الشهيرة، يستطيع المسافر الاستمتاع بكل لحظة بصفاء تام، وكأنه يعيش مشهدًا سينمائيًا بين قمم الألب المهيبة.
ختامًا، تمثل إنجادين السفلي وجهة مثالية لمن يبحث عن عطلة شتوية مختلفة؛ بعيدًا عن صخب المنتجعات الكبرى، وأقرب إلى جوهر الطبيعة السويسرية الأصيلة. هي رحلة إلى عالم من الهدوء والثلوج والصفاء، حيث يتحول المشي إلى تأمل، والبرد إلى دفء داخلي يولده سحر المكان. في هذه الزاوية المنسية من الألب، لا تُقاس العطلة بعدد الأنشطة أو الصور، بل بمدى ما تمنحه من راحة وهدوء وصفاء للنفس، لتبقى إنجادين السفلي جنة الشتاء المخفية لمحبي الجمال الهادئ.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
09-11-2025 08:09 PM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||