06-11-2025 12:41 PM
بقلم : الدكتور بسام أبو خضير
تُعدّ الإدارة المحلية اليوم حجر الزاوية في مسيرة التنمية الشاملة والمستدامة، فهي الجسر الأقرب بين المواطن ومؤسسات الدولة، والميدان الذي تتجلى فيه فعالية السياسات العامة وقدرتها على تحويل الخطط إلى واقع ملموس. وقد بات من الواضح أن البلديات ومجالس المحافظات ومجلس أمانة عمّان تشكّل إطارًا ديمقراطيًا يعمّق المشاركة الشعبية في صنع القرار المحلي، ويجعل من الإدارة المحلية محورًا رئيسًا في منظومات التحديث السياسي والاقتصادي والإداري التي تنتهجها الدولة الأردنية الحديثة.
لقد تغيّر مفهوم البلدية في العصر الحديث، فلم تعد مؤسسة خدمية تقليدية فحسب، بل أصبحت وحدة اقتصادية وتنموية قادرة على ابتكار حلول جديدة ومشاريع إنتاجية ذات طابع اجتماعي، تسهم في خفض معدلات البطالة وتحريك عجلة النمو المحلي. وكلما ارتقت كفاءة الإدارة البلدية، انعكس ذلك مباشرة على جودة الخدمات وثقة المواطنين، فالإدارة الرشيدة هي مفتاح التنمية الحقيقية في أي مجتمع محلي.
لقد آن الأوان لأن تتحول البلديات إلى مؤسسات تنموية مبتكرة تتبنى مفهوم "البلدية المنتجة"، التي تقدم الخدمة وتولّد في الوقت نفسه فرص العمل من خلال مشاريع مجتمعية واستثمارية في مجالات الطاقة المتجددة وإدارة النفايات الصلبة والحرف البيئية والأسواق الشعبية ومراكز التدريب المهني. كما يمكن لتطوير فكرة المشاريع البلدية المشتركة بين البلديات المتجاورة أن يشكّل محاور اقتصادية متكاملة تسهم في خفض التكاليف، وتعظيم العوائد، وتوزيع الموارد بعدالة.
أما تمكين البلديات، فلا يتحقق بزيادة المخصصات المالية فقط، بل أيضًا بتعزيز قدراتها الإدارية والمالية والمعرفية. ومن المقترحات التي تستحق النظر إنشاء منصة تمويل بلدي إلكترونية بإشراف بنك تنمية المدن والقرى، تتيح للبلديات الصغيرة والمتوسطة الوصول إلى التمويل طويل الأجل بشروط ميسّرة، إلى جانب برامج لاحتضان الأفكار البلدية المبتكرة وتشجيع موظفي البلديات وأبناء المجتمع المحلي على تقديم حلول إبداعية منخفضة الكلفة لتحسين الخدمات. كما أن بناء شراكات حقيقية مع الجامعات والمراكز البحثية يسهم في إعداد دراسات جدوى واقعية للمشاريع التنموية، ويضمن استدامة الخطط بعيدًا عن العشوائية والاجتهادات الفردية.
ولا يمكن الحديث عن تطوير الإدارة المحلية من دون ترسيخ مفهوم الحاكمية الرشيدة بوصفها ثقافة مؤسسية، تقوم على الشفافية والمساءلة. فتعزيز ثقة المواطن يتطلب تطوير مؤشرات أداء واضحة ترتبط برضا المواطنين وكفاءة الإنفاق وسرعة الاستجابة للخدمات، إلى جانب إنشاء بوابة شفافية إلكترونية تُنشر فيها العقود والمناقصات والقرارات المالية بشكل دوري. فالمواطن شريك في القرار المحلي، لا مجرد متلقٍ له، والمواطنة الفاعلة هي الشرارة التي تشعل طاقات المجتمع وتحوّل الإدارة المحلية إلى حراك مجتمعي مستدام.
كما أن ربط استراتيجيات الإدارة المحلية بأهداف التنمية المستدامة يشكّل نقلة نوعية، إذ يمكن للبلديات أن تلعب دورًا رياديًا في التحول إلى مدن خضراء تعتمد الإدارة الذكية للنفايات والطاقة وتتبنى مفهوم الاقتصاد الدائري الذي يحوّل المخلفات إلى موارد. كما أن دعم المشاريع النسوية والشبابية في هذا الإطار يعزز العدالة الاجتماعية ويُطلق طاقات الفئات المنتجة لتكون شريكًا فاعلًا في التنمية المحلية.
في المحصلة، تبقى الإدارة المحلية مدرسة للقيادة ومختبرًا للإبداع الوطني، ومنصة لتجسيد رؤية الدولة في العدالة والتنمية والازدهار. والإيمان بأن الإدارة المحلية القوية هي أساس الدولة الحديثة المتماسكة بحيث تكون قاعدة في التفكير والتخطيط. فحين نستثمر في قدرات البلديات، فإننا في الحقيقة نستثمر في استقرار الوطن اقتصاديا واجتماعيا ، ونكرّس مفهوم الدولة التي تُدار من قرب، وتُبنى من القاعدة إلى القمة، بسواعد أبنائها
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
06-11-2025 12:41 PM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||