06-11-2025 12:37 PM
بقلم : العميد المتقاعد حسن فهد ابوزيد
تتسارع الأحداث في السودان بوتيرةٍ تنذر بما هو أخطر من مجرد حربٍ أهليةٍ عابرة. فمنذ ما يقارب عشرة أيام، يعيش السودان محنةً حقيقيةً سمتها الإجرام بكل أنواعه: القتل، والتعذيب، والتجويع. وهذه المأساة ليست في غزة، والمجرمون ليسوا يهودًا، والمصيبة أن الجلاد والضحية من ملةٍ واحدة، والسيادة أصبحت بيد القتلة الذين هم طرف الأزمة الرئيس. وللأسف، فإن هؤلاء القتلة الذين يقتلون بدمٍ باردٍ هم أبناء جلدتهم، والغالب والمنتصر فيهم هو الشيطان، الذي يتمثل هنا في قوات الدعم السريع، تلك التي باتت ترتكب أبشع جرائمها ضد السكان في الفاشر بحق المدنيين الأبرياء لدرجة أن الجثث تتكدس فوق بعضها البعض ليس هذا فحسب بل وتمنع ذويهم من البحث عنهم لموراتهم التراب .
وللأسف، أصبحت السيادة الآن للمتمردين والخارجين عن القانون. تمر مدينة الفاشر بظروفٍ صعبةٍ للغاية، وقد يمتد التهديد إلى إقليم دارفور، مما يجعل البلاد اليوم تقف على مفترقٍ حاسمٍ بين بقاء الدولة أو انزلاقها نحو التقسيم والانشطار الجغرافي والسياسي، بعد أن تحولت الفاشر إلى ساحةٍ رمزيةٍ جسّدت حجم الانقسام والانهيار الوطني.
لقد كانت معركة الفاشر وما تلاها من أحداثٍ أمنيةٍ دامية، ارتكبت فيها قوات الدعم السريع شتى أنواع الجرائم، بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، بعدما كشفت هشاشة البنية السياسية والعسكرية، وفشل كل المحاولات في رأب الصدع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، اللتين تحولتا إلى قوتين متصارعتين تتنازعان الشرعية والسيطرة على الأرض.
ما يحدث اليوم يشير بوضوح إلى أن السودان لم يعد كما كان قبل عامين ونصف تقريبًا؛ فالمشهد الداخلي تغيّر 180 درجة، بين أقاليم تبحث عن حمايةٍ ذاتية، ومناطق تُدار فعليًا خارج سلطة الدولة المركزية، في حين تتسابق قوى إقليمية ودولية ومتنفذة على تعزيز نفوذها ومصالحها داخل هذا البلد العربي الغني بالثورات والفقير بشعبه الذي يعاني الأمرين والذي لطالما شكّل عمقًا استراتيجيًا مهمًا في القارة الإفريقية.
إن خطر التقسيم، الذي كان قبل سنوات مجرد هاجسٍ عابر أو تحذيرٍ سياسي، أصبح اليوم احتمالًا واقعيًا ومتوقعًا تدعمه معطيات الميدان، خاصة مع تفاقم الصراعات القبلية، واتساع دائرة النزوح والتهجير، واستمرار غياب الحلول الوطنية الجامعة، في وقتٍ تغيب فيه القيادة الموّحدة والرؤية الشاملة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
لقد أثبتت التجربة السودانية أن أي مشروعٍ يقوم على السلاح لا يمكن أن يبني وطنًا، وأن الانقسام العسكري لا بد أن يجرّ وراءه انقسامًا اجتماعيًا وجغرافيًا. والضحية دائمًا هو الشعب الأعزل من السلاح. كما أن استمرار تجاهل المجتمع الدولي لمعاناة المدنيين، والاكتفاء ببيانات الشجب والإدانة، جعلا الأزمة السودانية تتفاقم وتتعقد، خاصة في ظل وجود من يدعم بالسلاح وبكل قوةٍ للاستفادة من ثمار التقسيم.
الفاشر كانت الشرارة، لكنها ليست النهاية... بل ربما تكون بداية مرحلةٍ جديدةٍ ترسم ملامح سودانٍ مقسّمٍ وممزقٍ، ما لم تتدارك القوى الوطنية الأمر سريعًا وتضع مصلحة الوطن فوق كل الحسابات.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
06-11-2025 12:37 PM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||