بقلم : النائب فراس القبلان
لم يعد التعليم الأكاديمي وحده كافيًا لصناعة المستقبل، فالعالم اليوم لا يحتاج فقط إلى من يعرف، بل إلى من يُتقن ويُنجز ويبتكر.

في معظم الدول المتقدمة — مثل ألمانيا، وسويسرا، وكوريا الجنوبية — يشكّل التعليم التقني والمهني أكثر من 70٪ من منظومتها التعليمية، بينما لا تتجاوز نسبة التعليم الأكاديمي التقليدي 30٪.

هذه النسبة لم تأتِ صدفة، بل هي نتيجة فهمٍ عميق لحاجة سوق العمل الحديث، حيث تقوم الاقتصادات القوية على الأيدي الماهرة، لا على الشهادات المعلّقة.

في تلك الدول، يخرج الطالب من التعليم المهني جاهزًا لسوق العمل، يمتلك مهارة حقيقية، ويستطيع أن يبدأ مشروعه الخاص أو ينخرط في الصناعات المتقدمة فورًا.

أما في كثير من الدول النامية، فالمعادلة مقلوبة: تعليم أكاديمي يخرّج آلاف الطلبة إلى طوابير البطالة، بينما تبقى المهن التقنية والصناعية والزراعية والخدمية تعاني من نقص الكفاءات.

ولعلّ قصة “نوكيا”و”مايكروسوفت” مثالٌ صارخ على أهمية التكيّف والتعلّم المستمر.

فحين أُعلنت صفقة بيع شركة “نوكيا” إلى “مايكروسوفت”، قال الرئيس التنفيذي لنوكيا جملةً مؤثرة:

“لم نفعل شيئًا خاطئًا… لكن بطريقةٍ ما، خسرنا.”

لم تكن نوكيا فاشلة، لكنها توقّفت عن التطوّر، بينما كان العالم يسير بسرعة نحو المستقبل.

لم تُدرك مبكرًا أن المهارة والتجديد والمعرفة التقنية أهم من التمسك بما نجح في الماضي. فخسرت مكانها في القمة، وخسرت السوق بأكمله.

وهذا الدرس يجب أن يعيه جيل الشباب اليوم:
من لا يتعلّم مهارة جديدة، ومن لا يطوّر نفسه باستمرار، سيتجاوزه الزمن كما تجاوز نوكيا.

ففي عالمٍ يتحرك بالذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، والتكنولوجيا الرقمية، لا مكان للجمود، ولا فرصة لمن يكتفي بما تعلّمه بالأمس.

إن التعليم التقني والمهني هو طريق النجاة في زمن التحوّل.

هو التعليم الذي يصنع العامل المنتج، والمبتكر الخلّاق، وصاحب المشروع لا الباحث عن وظيفة.

فالتعلّم اليوم لم يعد حفظ كتب… بل إتقان أدوات المستقبل.

ومن لا يتغيّر في فكره التعليمي، سيبقى خارج دائرة التطور.

الجيل الذي يتقن مهنة… لا يخشى الغد.

بقلم : النائب فراس القبلان