بقلم : م. أحمد يوسف الشديفات
في خطابه السامي خلال افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة العشرين، وضع جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين – حفظه الله – معالم رؤية وطنية شاملة ترتكز على التطوير المستدام للقطاع العام، والارتقاء بمنظومتي التعليم والصحة، وتحديث قطاع النقل، بما ينعكس مباشرة على حياة المواطن الأردني. وقد جاءت كلمات جلالته لتؤكد أن الزمن لم يعد يحتمل التراخي، وأن السباق نحو التحديث لا يُكسب إلا بالعمل الجاد والمستمر.

اليوم، وفي ظل الثورة الرقمية الرابعة، تشكل التكنولوجيا العمود الفقري لأي إصلاح حقيقي. فالتطوير الذي تحدث عنه جلالته لا يتحقق بالشعارات أو الخطط التقليدية، بل عبر تبنّي حلول رقمية عملية تمكّن مؤسسات الدولة من التحول إلى بيئات ذكية مترابطة تُدار بالبيانات والتحليل والذكاء الاصطناعي. وهنا تكمن أهمية تسريع التحول الرقمي الشامل، دون المساس بالثوابت الإدارية والمؤسسية، بل بتطويرها لتواكب العصر وتدعم الكفاءة والشفافية.

إن دعوة جلالته للاستمرار في تطوير القطاع العام هي في جوهرها دعوة لتجديد آليات الإدارة الحكومية عبر التكنولوجيا. فالمطلوب اليوم ليس تحسين الإجراءات التقليدية فقط، بل إعادة هندستها بالكامل لتصبح أكثر انسيابية ومتصلة بالمواطن بشكل مباشر، واستخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل الأداء الحكومي وتوجيه الموارد بكفاءة، وتطوير أنظمة الهوية الرقمية والتوثيق والأرشفة الإلكترونية لتقليل البيروقراطية وتحسين تجربة المواطن.
بهذه الخطوات، ينتقل القطاع العام من مرحلة الإدارة التقليدية إلى مرحلة الحوكمة الذكية التي تواكب تطلعات جلالته في جعل الخدمة العامة مرادفًا للسرعة والجودة والموثوقية.

وحين يؤكد جلالة الملك على ضرورة "النهوض بنظامنا التعليمي"، فإن ذلك يعني الانتقال من التعليم التلقيني إلى التعليم القائم على الإبداع والمعرفة التقنية. فالأردن يمتلك قاعدة بشرية متميزة، وما يحتاجه اليوم هو توجيه هذه الطاقات نحو التكنولوجيا والابتكار، عن طريق دمج التعليم التقني والرقمي في المناهج منذ المراحل المبكرة، ونشر منصات التعليم الذكي والتعلم عن بُعد لتقليل الفجوة بين المدارس والمناطق، وتدريب المعلمين على أساليب التعليم المعزّز بالذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي، مع ربط مخرجات التعليم بسوق العمل الرقمي الوطني والإقليمي.
بهذا النهج، يتحول التعليم إلى ركيزة من ركائز الاقتصاد الرقمي الوطني، بما يتوافق مع الرؤية الملكية لبناء الإنسان الأردني العصري القادر على المنافسة عالميًا.

إن ما ورد في خطاب العرش ليس مجرد توجيه سياسي، بل هو خارطة طريق وطنية نحو أردن رقمي متطور، ويتجلى اهتمام الدولة بهذا المسار بوضوح من خلال الإشراف المباشر لسمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني على ملف التحول الرقمي، تأكيدًا على أهميته الاستراتيجية في بناء اقتصاد المعرفة.
لقد وضع جلالة الملك الأساس لرؤية أردنية معاصرة، عنوانها العمل والتحديث، ومحورها الإنسان، ومع وضوح الرؤية وتوفر الإرادة، يبقى دورنا أن نترجم التوجيه الملكي إلى مشاريع رقمية ملموسة ترفع جودة الخدمات وتُعزز ثقة المواطن بدولته.
فكما قال جلالته: "الأردني لا يعرف المستحيل"، واليوم بات واضحًا أن طريق الإصلاح يبدأ من التحول الرقمي، وينتهي عند مواطنٍ راضٍ وفخورٍ بدولته الحديثة.