حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,30 أكتوبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 3554

الشطناوي يكتب : رديفًا لها لا عبئًا عليها: بين الحقيقة واغتيال المعنى

الشطناوي يكتب : رديفًا لها لا عبئًا عليها: بين الحقيقة واغتيال المعنى

الشطناوي يكتب : رديفًا لها لا عبئًا عليها: بين الحقيقة واغتيال المعنى

30-10-2025 10:34 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : الشاعر أحمد طناش شطناوي
أثارت كلمة رئيس مجلس النواب الأردني مازن القاضي جدلًا واسعًا لا مبرّر له حين اجتزئ جزء من نص قال فيه: “واجب الأردنيين أن ينضبطوا على إيقاع حركة الدولة وأن يكونوا رديفًا لها لا عبئًا عليها”.

ورغم أن القاضي لم ينطق بتلك العبارة منعزلة أو منبتّة عن سياقها، فإنها جاءت ضمن رؤية سياسية واضحة عبّر عنها بقوله كاملًا:
“علينا أن ندرك كأردنيين أن بلدنا يقع وسط محيط جغرافي، وربما تاريخي، تتصارع من حوله مشاريع تبحث عن الهيمنة والتوسع والنفوذ، ولنتذكر أن خياراتنا وقراراتنا السياسية في هذه المرحلة يجب أن لا تخضع لمنطق الانفعالات والمزايدات، ولا تقاس على مساطر الآخرين ورغباتهم ومصالحهم، وعليه فإن واجب الأردنيين أن ينضبطوا على إيقاع حركة الدولة وأن يكونوا رديفًا لها لا عبئًا عليها.”
عندما يُقرأ النص كاملاً، يصبح المعنى واضحًا لكل من ينظر بعين العقل قبل الانفعال؛ فنحن أمام توصيف لبيئة تهديد خارجي تتطلب وعيًا سياسيًا رصينًا يحصّن القرار الوطني من الانزلاق إلى صراعات ليست صراعاتنا، أو إلى مزاج إقليمي لا يراعي مصالح الأردن ولا استقراره.
ومن منهجية التحليل العلمي للخطابات السياسية، تُفهم الفكرة من منطقها الداخلي وتسلسلها الدلالي، لا من جملة واحدة مجتزأة عن سياقها؛ فالخطر محدد، وضرورة تحصين القرار محددة، ثم تأتي النتيجة المنطقية: وجوب تكاتف الدولة مع مواطنيها في لحظة تحتاج إلى توحيد الإيقاع لا تشتته.

هنا يحدث الالتباس المقصود أو غير المقصود: إذ يتوهّم البعض أن الدولة هي الحكومة، بينما الدولة في العلوم السياسية كيان مركّب ودائم يشمل “أرضًا وشعبًا وسيادة وقيادة ومؤسسات”، والحكومة ليست سوى أداة إدارة تتغير ولا تختزل الوطن؛ لذلك حين دعا القاضي إلى الانضباط على “إيقاع الدولة”، لم يكن يقصد أن يصطف الأردني خلف حكومة بعينها أو أن يكفّ عن النقد والمساءلة، بل أن يتناغم مع جوهر الوطن حين تشتد الأخطار، وأن يكون جزءًا من القوة الوطنية لا ثغرة فيها.

إن الانضباط الوارد في خطابه يمثل مسؤولية سيادية وتناغمًا دفاعيًا، ويمنع تحويل النقد إلى أداة تُستغل خارجيًا لإضعاف الداخل؛ وليس كما تم تداوله على منصات الانتباه، التي أصبحت تروج لثقافة الاجتزاء واغتيال المعنى؛ فدعوته لا تحمل معنى الطاعة القسرية، ولا الخضوع أو تقييد النقد.

وفي سياق المواجهة، لا تستطيع الدول الصغيرة أن تبقى واقفة ما لم تتكئ على وعي مجتمعها وتماسك جبهتها الداخلية، لأن هشاشة الاصطفاف تجعل الوطن هدفًا سهلاً لمشاريع النفوذ التي أشار إليها القاضي، وإن ما جرى من اجتزاء لحديثه، يعكس ظاهرة أعمق من مجرد سوء قراءة؛ فهو مؤشر جديد لانتصار اقتصاد الغضب "أي التحكم بالرأي العام عبر الانفعال والانتشار الفوري للأخبار" على علم السياسة، وللجملة السريعة على المنطق الطويل، وللاهتمام الآني الذي تصنعه خوارزميات التحريض على حساب مصلحة وطن يحتاج إلى العقل قبل الصوت العالي.
وهذا هو الذي حذر منه القاضي في جملته، فضلا عن حديثه في الفقرة السابقة من خطابه عن الإعلام الذي يحتاجه الوطن حين قال "برؤية إعلامية جديدة تحاكي الحرية المسؤولة والمهنية المتطورة وتحقق التنمية الشاملة" ولكن حب الظهور الرقمي، فضلا عن الترندات، أبت إلا أن تُخرج النص من سياقه ومعناه، وهذا ما حذر منه أيضا حين قال " إعلام مهني موضوعي هادف يعبر رؤية الدولة وأهدافها وعن ضمير الوطن وهويته بكافة أطيافه وفئاته ويحقق التوازن بين المصالح الوطنية والحريات المسؤولة وترسيخ الشفافية والبعد عن الإثارة وبث الشائعات واغتيال الشخصيات والتهويل والتعتيم والتشويش والالتزام بالدستور وسيدة القانون نصاً وروحاً".

ولكن حين يتقدم الصراخ على التحليل، ويُستبدل النقاش الوطني بتصيد لغوي، يغيب إدراك اللحظة الوجودية التي يعيشها الأردن الآن؛ لقد أراد القاضي أن يقول أن حماية الدولة مسؤولية الجميع، وأن الأردني ليس عبئًا على وطنه بل عمود وجوده، وأن الدولة حين تُهاجَم يجب على الشعب أن يقف في صف الحماية؛ فالأوطان تُصان بالوعي المنضبط الذي يفرّق بين المساءلة التي تقوّي المؤسسات، لا بالصوت المنفلت أو الفوضى التي تضعف الكيان ذاته.
ومن تمام الإنصاف أن يُفهم كلام الرجل كما قاله: دعوة إلى صف واحد لا إلى صفقة، دعوة إلى مواطنة فاعلة لا إلى شعارات منفلتة، دعوة إلى إدراك أن الأردن مشروع بقاء لا يحتمل المزايدة ولا التجريب على حساب أمن الناس واستقرارهم، وأن لا نستخدم مسطرة إلا مسطرة الوطن، فقياس الوطن لا يتناسب مع مساطر الآخرين.

لذلك، فإن العبارة التي أُلبست ما ليس فيها ليست فرمانًا سلطويًا، ولا محاولة لفرض صمت على مجتمع واعٍ، بل نداء للعقل الوطني في زمن تتعدد فيه الأصوات وتتربص فيه المشاريع، حتى لا نختلف على الإيقاع بينما نواجه العاصفة نفسها؛ وبهذا يصبح الانضباط الذي دعا إليه القاضي حماية للأردن لا قيدًا على الأردني، فالدولة ليست جهة فوق المواطن، إنها الفضاء الذي يحمله ويحميه، والانضباط لإيقاعها هو انضباط لإيقاع بقائنا معًا فوق هذه الأرض.

رئيس فرع رابطة الكتاب الأردنيين/إربد








طباعة
  • المشاهدات: 3554
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
30-10-2025 10:34 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تنجح "إسرائيل" بنزع سلاح حماس كما توعد نتنياهو رغم اتفاق وقف الحرب بغزة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم