27-10-2025 10:18 AM
سرايا - في رحلته إلى آسيا على متن الطائرة الرئاسية "إير فورس وان"، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب السبت إنه سيعيد جدولة اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إذا كان واثقا من التوصل إلى اتفاق بشأن أوكرانيا.
وجاء ذلك بعد أن ألغى فجر الخميس قمة بودابست المرتقبة والتي كان من المقرر أن تجمعه ببوتين خلال الأسبوعين المقبلين.
لم يكن الإلغاء مجرد تأجيل لاجتماع دبلوماسي، إذ قرأه مراقبون على أنه رسالة سياسية صريحة تعبر عن حالة الجمود وانسداد قنوات الحوار بين القوتين النوويتين، في ظل استياء ترامب من عدم إحراز تقدم في وقف الصراع الأوكراني الروسي.
ومع ذلك، تتزايد المخاوف من اقتراب نهاية معاهدة "ستارت 3" عام 2026، التي تُعدّ آخر صمام أمان في منظومة الحد من التسلح الإستراتيجي بين موسكو وواشنطن، إذ تواجه اليوم اختبارا غير مسبوق.
بينما كانت الأنظار تتجه نحو العاصمة المجرية بودابست بوصفها محطة محتملة للقاء ترامب ونظيره الروسي بوتين، دخل المشهد في دوامة من الغموض بعد تضارب التصريحات بين الجانبين بشأن موعد القمة.
فبعد أن لمح ترامب في 16 أكتوبر/تشرين الأول الجاري إلى أنها قد تعقد "في غضون أسبوعين تقريبا"، خرج المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف لينفي إمكانية "تأجيل" القمة، موضحا أنه "لا يمكن تأجيل ما لم يُحدد بعد"، في إشارة إلى أن الموعد لم يُتفق عليه أصلا.
وجاء هذا الجدل عقب تقارير إعلامية توقعت احتمال تعطل القمة بعد تأجيل اجتماع كان مقررا بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي ماركو روبيو، إثر مكالمة هاتفية بينهما.
وفي حين أكد ترامب أن القمة ستعقد "قريبا جدا"، قلل الكرملين من أهمية تلك التصريحات، مشيرا إلى أن اللقاء "قد يحدث خلال أسبوعين أو بعد ذلك بقليل"، وأن المحادثات بين لافروف وروبيو تمثل "الخطوة الأولى" نحو ترتيب اللقاء.
ورغم حالة الضبابية، أكد بيسكوف أن موسكو لا تزال "في مزاج للعمل"، لكنه شدد على أن أي قمة محتملة تتطلب "تحضيرات جدية"، في حين رفض الحديث عن مشاركة أوروبية محتملة في القمة المرتقبة.
ولاحقا، أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت أن اللقاء بين الرئيسين بوتين وترامب لا يزال ممكنا، لكن يجب أن يسفر عن نتيجة إيجابية ملموسة.
ويرى مراقبون أن واشنطن تبقي الباب مفتوحا للقاء مع بوتين ولكن بشروط، ومن دون تنازل، للضغط عليه لاتخاذ خطوات جدية إذ أراد عقد الاجتماع.
وفي قراءة تحليلية، يصف رئيس تحرير مركز الدراسات العربية الأوراسية أحمد دهشان القمة كمحطة بالغة الأهمية ستحدد رؤية واشنطن للحل في أوكرانيا، فإذا نجحت الولايات المتحدة في التوصل إلى هدنة، فقد يفتح ذلك مسارا جديدا في العلاقة مع موسكو.
أما إذا فشلت، فسيؤثر ذلك سلبا على العلاقات الروسية الأميركية، خصوصا مع حاجة روسيا لتخفيف العقوبات، وضرورة تعاونها مع واشنطن بشأن الصين واتفاقيات الحد من التسلح، وفق حديثه للجزيرة نت.
ويرى دهشان أن اتفاقية "ستارت" ستواجه مراحل تفاوضية معقدة وتعديلات تدريجية، لكن المصلحة المشتركة قد تدفع الطرفين إلى تجاوز خلافاتهما، مما يتيح فترة هدوء نسبي لإعادة الحوار ومحاولة تحديث الاتفاقية بصيغة جديدة.
شكلت معاهدة نيو ستارت، الموقعة عام 2010 بين الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما ونظيره الروسي آنذاك ديمتري ميدفيديف، تتويجا لمرحلة من الانفراج النسبي في العلاقات بين موسكو وواشنطن.
عرفت المعاهدة باسم "تدابير زيادة تخفيض الأسلحة الهجومية الإستراتيجية والحد منها"، بهدف تقليص عدد الرؤوس النووية والصواريخ الإستراتيجية بين البلدين، من خلال إرساء آلية تفتيش وتحقق متبادل تحافظ على مستوى من الشفافية.
دخلت المعاهدة حيز التنفيذ في فبراير/شباط 2011 بعد إقرارها في الكونغرس الأميركي ومجلس الدوما الروسي، لتصبح الركيزة الأخيرة في منظومة الحد من التسلح التي رافقت النظام الدولي منذ نهاية الحرب الباردة.
ومع تجديدها في عام 2021 لمدة 5 سنوات إضافية في عهد الرئيس جو بايدن، بدت كأنها محاولة أخيرة لإنقاذ ما تبقّى من سياسة "الرقابة النووية المتبادلة" بين القوتين.
غير أن هذا الاستقرار المؤقت لم يصمد طويلا، إذ سرعان ما أعادت الأزمات الجيوسياسية، وفي مقدمتها الأزمة الأوكرانية، خلط الأوراق وأعادت معاهدة "ستارت 3" إلى دائرة الشكوك والاتهامات المتبادلة.
وتتيح المعاهدة لكل طرف نشر 1550 رأسا حربية هجومية إستراتيجية، والصواريخ الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تُطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة إلى 700 قطعة، وعدد منصات الإطلاق والقاذفات الثقيلة إلى 800 قطعة، وتنص على آلية للتحقق رغم توقيفها منذ أن علقت موسكو مشاركتها قبل عامين.
وجاءت "نيو ستارت" امتدادا لسلسة طويلة من اتفاقيات الحد من التسلح بين البلدين، بدأت بمعاهدة "سالت" في سبعينيات القرن الماضي، مرورا بـ"ستارت 1″ و"ستارت 2″ قبل أن تنهار معظمها بفعل التوترات السياسية المتكررة، لذا اعتبرت "ستارت 3" آخر خيط يربط الترسانة النووية الروسية والأميركية بمنظومة رقابية مشتركة تحد من سباق التسلح المفتوح.
منذ إعلان الرئيس الفرنسي بوتين في فبراير/شباط 2023 تعليق مشاركة بلاده في معاهدة "ستارت 3" تحاول موسكو بعث رسائل مزدوجة: من جهة تؤكد استعدادها للالتزام بالقيود العديدة التي تفرضها المعاهدة، ومن جهة أخرى تشدد على أن الظروف السياسية والأمنية الحالية لم تعد تسمح بتطبيقها.
ورغم التعليق، لم تغلق موسكو باب التفاهم مع واشنطن، إذ حرص بوتين على إرسال إشارات متكررة تفيد بأن الكرملين لا يزال منفتحا على الحوار بشأن الرقابة على الأسلحة الهجومية الإستراتيجية.
وفي تصريحاته عشية لقائه مع الرئيس الأميركي ترامب في ألاسكا في منتصف أغسطس/آب الماضي، لم يستعبد بوتين إمكانية التوصل إلى اتفاق مبدئي يحد من سباق التسلح.
وبعد أسابيع فقط، عاد بوتين خلال اجتماع عقده مع مجلس الأمن الروسي في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي ليحذر من أن انتهاء سريان مفعول معاهدة "ستارت 3" في فبراير/شباط 2026 سيعني انهيار آخر ركيزة للقيود المباشرة على الأسلحة النووية والصاروخية، معلنا استعداد بلاده للالتزام بالقيود العددية على الأسلحة النابعة من المعاهدة، لمدة عام آخر بعد انتهائها.
ولكن خلف هذه الرسائل الإيجابية، أكد نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف أن موسكو لم تتلقّ أي رد رسمي من الجانب الأميركي على المقترح، موضحا أن الحديث لا يدور عن تمديد المعاهدة بصيغتها الحالية، بل عن التزام مؤقت متبادل بالقيود التي نصت عليها، ريثما تتضح ملامح المرحلة المقبلة.
في الوقت ذاته، لم تخف موسكو رغبتها في استعراض قوتها وقدرتها على المضي قدما خارج إطار الاتفاقية التقليدية، إذ أعلن بوتين خلال زيارته إلى طاجيكستان في أكتوبر/تشرين الأول الجاري أن بلاده تعمل على تطوير أسلحة إستراتيجية جديدة، مشيرا إلى أن بلاده لا تخشى انتهاء مفعول المعاهدة وأن لديها مجالا واسعا للمناورة.
وبحسب دهشان، فإن تصريحات بوتين تحمل بعدين: داخلي لتعزيز صورة الدولة والجيش، وخارجي لإرسال رسالة للحلفاء الأوروبيين وحلف شمال الأطلسي (الناتو) بأن روسيا قوة صلبة وليست "نمرا من ورق".
ويشير إلى أن تكرار هذه التصريحات كل عامين يعكس حرص موسكو على إبراز استمرارية برنامجها العسكري، خاصة بعد حربها على أوكرانيا.
ومن ناحية القوة النووية، يرى دهشان أن روسيا تمتلك ردا نوويا كافيا، لكن قوتها التقليدية لم تمنع الدعم الغربي لأوكرانيا، مما أظهر الحاجة لترميم صورتها السياسية والعسكرية واستعادة قوة الردع الشاملة.
بدورها، تتعامل واشنطن مع الملف بغموض واضح وبصمت يرقى إلى ما يشبه الصمت الإستراتيجي، فالإدارة الأميركية لم تصدر حتى الآن موقفا رسميا من المقترح الروسي الملتزم مؤقتا ببنود الاتفاقية، سوى ما قاله ترامب ردا على سؤال تاس في 5 أكتوبر/تشرين الأول من أن اقتراح الزعيم الروسي "فكرة جيدة"، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الروسية تاس.
وتكتفي واشنطن بإشارات دبلوماسية مبهمة تؤكد ضرورة العود إلى بيئة مواتية للحوار من دون أي التزام فعلي، ويعزو محللون هذا الموقف إلى إدراك واشنطن أن أي تفاهم جديد مع موسكو في الوقت الراهن قد يفسر على أنه تراجع في لحظة احتدام الصراع الأوكراني، وذلك ما يجعل الملف النووي رهينة توازنات الحرب الباردة الجديدة بين الطرفين.
وتتهم الولايات المتحدة روسيا مرارا بعدم الامتثال لمعاهدة "نيو ستارت"، إذ كشف تقرير وزارة الخارجية الأميركية لعام 2024 والمُعدّ لعرضه على الكونغرس في يناير/كانون الثاني 2025 أن موسكو لم تستأنف تسهيل أنشطة التفتيش الأميركية على أراضيها، وأنها ألغت اجتماعا مقررا للجنة التشاور الثنائية في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
كما أشار التقرير إلى أن روسيا لم تقدم البيانات المطلوبة بموجب المعاهدة منذ تعليق تنفيذها 2023.
وبموجب معاهدة "نيو ستارت" يُسمح لواشنطن وموسكو بإجراء عمليات تفتيش متبادلة على مواقع الأسلحة لديهما، لكن عمليات التفتيش توقفت منذ عام 2020 بسبب جائحة كورونا.
وفي رد فعل على هذه الانتهاكات، أعلنت الولايات المتحدة عن تدابير مضادة، بما في ذلك تعليق تبادل البيانات النووية الثنائية مع روسيا، وأكدت وزارة الخارجية الأميركية أن تعليق روسيا لمشاركتها في المعاهدة "غير قانوني"، وأنها لا تزال ملزمة بالامتثال لالتزاماتها بموجب المعاهدة.
في المقابل، أكدت الولايات المتحدة أنها لا يمكنها الانخراط في محادثات جدية للحد من الأسلحة في ظل غياب الثقة نتيجة العدوان الروسي على أوكرانيا، مشددة على أن موسكو هي من علّقت التزاماتها أولا، وفق ما ورد في التقرير.
ويرى المحلل السياسي يوحنا موسى أن واشنطن تنظر إلى تحركات موسكو باعتبارها تستخدم المعاهدة كأداة ضغط سياسي، إلى جانب إطلاق تصريحات رسمية وغير رسمية تحمل رسائل متناقضة في بعض الأحيان، مشيرا إلى أن "بوتين يراقب مدى جدية الإدارة الأميركية في التعاطي مع الملف".
ويضيف موسى في حديثه للجزيرة نت أن "القضية الحالية تتعلق بالتوصل إلى تفاهم جديد حول الأسلحة النووية، وليس مجرد تمديد محدود أو سباق تسلح جديد"، موضحا أن "الجهود مركزة على مرحلة ما بعد الحرب الأوكرانية، وحين يصبح من الممكن التوصل إلى تفاهم أوسع قد لا يظهر كثيرا في الإعلام لكنه مطروح على طاولة الجهات الرسمية والمطلعة".
وفي ظل هذا الغموض يُطرح سؤال مركزي في الأوساط الإستراتيجية: هل تراهن الولايات المتحدة على انهيار آخر قيود الحد من التسلح لتعيد رسم قواعد اللعبة النووية وفق موازين القوى الجديدة، أم إنها تترك الباب مواربا أمام تفاوض مؤجّل ريثما تهدأ الجبهات الأخرى، سؤال قد تحمل قمة بودابست المقبلة -إن عُقدت- جزءا من إجابته.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
27-10-2025 10:18 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||