26-10-2025 10:50 AM
بقلم : الدكتور هيثم الربابعة
لضبط العملية الإدارية-التعليمية في الجامعات نحو إدارة فعّالة ومتميّزة، يجب تطبيق مبادئ مثل الحوكمة الرشيدة التي تركز على الشفافية والمساءلة وتحسين الأداء، والتخطيط الاستراتيجي الذي يضع رؤية وأهداف واضحة، بالإضافة إلى التنظيم الفعّال الذي يشمل إعادة هيكلة الوحدات الإدارية، والتحفيز من خلال تدريب الموظفين وتوفير الحوافز، وتطبيق آليات الضبط الذاتي للجودة لضمان التحسين المستمر.
في ظل تسارع التحولات التكنولوجية، وتنامي توقعات الطلبة وأصحاب المصلحة، وضغط التنافس الدولي، بات من الضروري أن تتبنّى الجامعات منظومة متكاملة لضبط عملياتها الإدارية والتعليمية بكفاءة وفعالية. فنجاح الجامعة لا يقاس فقط بسمعة أعضاء هيئة التدريس أو جودة التعليم، بل بمدى قدرتها على تنظيمها وإدارتها الداخلية، وضغط الزمن والموارد نحو تقديم خدمات تعليمية وإدارية سلسة وذات جودة عالية.
أهمية ضبط العمليات الإدارية والتعليمية
تشير دراسات حديثة إلى أن العمليات الإدارية – مثل القبول، التسجيل، الخدمات الطلابية، الشؤون المالية والموارد البشرية – تؤثّر بشكل مباشر على تجربة الطلبة، وعلى مدى التزام أعضاء هيئة التدريس، وبالتالي على جودة التعليم. مثلاً، وجدت دراسة أنّ العمليات الإدارية والأكاديمية تؤثّران تقريباً بنفس القدر على تفاعل الطلبة.
وبالإضافة إلى ذلك، أبرزت مراجعة منهجية أن الجامعات بدأت تعتمد ممارسات مثل Lean وSix Sigma لتحسين كفاءة العمليات الإدارية لديها.
من منظور استراتيجي، أشارت تحليلات إستشارية إلى أن الجامعات التي تحسّن عملياتها الخلفية (الخدمات الإدارية) يمكن أن تقلّل زمن التوظيف، وتخفض التكاليف، وتزيد من قدرة الجامعة على تنفيذ رسالتها الأكاديمية.
لذا، ضبط العملية الإدارية والتعليمية ليس رفاهية، بل حاجة حيوية لأي جامعة تطمح للتميز، ولتحقيق رسالة تعليمية، بحثية، وخدمية فعّالة.
المحاور الأساسية لضبط العملية
التخطيط التنظيمي والهيكلي
يجب على الجامعة أن تمتلك وثيقة واضحة لرؤيتها ورسالتها، تُترجَم إلى أهداف استراتيجية ومؤشرات أداء قابلة للقياس. كذلك، ينبغي أن يكون الهيكل التنظيمي واضحاً، مع توصيفات وظيفية لجميع الأدوار، وتحديد صلاحيات ومسؤوليات واضحة. هذا يمنع ازدواجية المهام، ويُسرّع اتخاذ القرار، كما أشارت دراسة نيجيرية صورت وجود هياكل بيروقراطية تُبطئ التنفيذ.
يُوصى بوضع لوائح وإجراءات مكتوبة لجميع العمليات (تسجيل، تقييم، صرف، جدولة)، وأن تُراجع هذه اللوائح بشكل دوري. كذلك، تنفيذ خطة تشغيلية سنوية وربما لخمس سنوات، مع مؤشرات أداء (KPIs) لكل عملية تشغيلية.
التحول الرقمي ونظم المعلومات
إن دمج التكنولوجيا في الإدارة الكلية أصبح ضرورة لا خياراً. فما بين أنظمة معلومات الطلبة، منصّات التعليم الإلكتروني، بوابات الخدمات الإدارية، يمكن للجامعة أن تُقلِّل زمن المعاملات، تُسرّع الإجراءات، وتُحسّن الشفافية والدقة. على سبيل المثال، أحد المصادر أوضح أن الأتمتة تساعد في تقليل العبء الإداري وتحسين دقة البيانات.
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي الإستثمار في تدريب الكوادر (الإدارية والأكاديمية) على إستخدام هذه النظم، وتحليل بيانات الأداء لإتخاذ قرارات مبنية على أدلة. كما أن إدارة العمليات أصبحت في المؤسسات الجامعية محركاً لترجمة الإستراتيجية إلى واقع.
ضمان الجودة والمتابعة والتقييم
يجب أن تُحدد الجامعة مؤشرات أداء واضحة لكل من العملية التعليمية والإدارية، مثل: معدل النجاح، نسبة الحضور، زمن معالجة المعاملات، رضى الطلبة، نسبة إستخدام المنصات. ثم تُجرى مراجعات دورية (ربع سنوية أو نصف سنوية) لمعرفة الإنحرافات، وإتخاذ إجراءات تصحيحية.
مثالا لذلك، بينت دراسة لجامعة تركية عملت على تطوّير عملياتها الإدارية حقّقت تحسّناً ملموساً في أداء الموظفين والرضا الوظيفي.
في جانب التعليم، يجب ربط الإدارة الأكاديمية بالإدارة التنفيذية، وضمان أن يكون أعضاء هيئة التدريس مشاركين في التخطيط بعيدا عن إتخاذ القرار (لا أن يُنظر إليهم مجرد منفّذين).
الثقافة المؤسسية والقيادة البشرية
التغيير الإداري يتطلب قيادة واضحة وثقافة مؤسّسية داعمة. يجب أن يكون القادة ضمن الهيئة الإدارية في المملكة، وليس شرطا أن يكون الرئيس من ضمن كادر الجامعة الأم – قدوة في الإلتزام بالمبادئ، و التحسين المستمر، و الشفافية والمساءلة. والعمل على تشجيع الموظفين وأعضاء هيئة التدريس على المبادرة، والإبتكار، وتحمل المسؤولية.
كما أن إشراك الموظفين والطلبة في عمليات التقييم وإتخاذ القرار يعزز الإنتماء ويساهم في نجاح التنفيذ. وفي دراسة عن الحوكمة الإدارية أوضحت أن مشاركة الطلبة في الحوكمة تزيد من فعالية الإدارة الجامعية.
المساءلة والشفافية
لا يمكن لأي خطة أن تُنجز بدون آليات واضحة للمساءلة والمراقبة: من يصنع القرار؟ من ينفّذ؟ من يُقيّم؟ وما هي النتائج؟ يجب أن تنشر الجامعة تقارير أداء دورية (سنوية أو نصف سنوية)، لكي تُعزّز الثقة داخل المؤسسة وخارجها، وتحفّز التحسين المستمر.
في هذا السياق، أحد الأبحاث بيّن أن الجامعات التي تعمل على تحسين عملياتها الإدارية ركّزت على الشفافية وتحاليل الأداء الداخلية.
مرونة التكيف والتحديث المستمر
البيئة الجامعية تتغيّر: من حيث التكنولوجيا، أساليب التعليم، إحتياجات السوق، الأزمات مثل الأوبئة. لذا، يجب أن تكون الجامعات مرنة: تُحدّث مناهجها، تُعتمد التعليم الهجين أو الرقمي، تُراجع اللوائح، وتكيّف العمليات بسرعة.
ففي إحدى الدراسات أشارت إلى أن الجامعات التي أتمّت التحول الرقمي ودمجت التعليم الإلكتروني كانت أفضل تجهيزا للتغيّرات.
إقتراح خطوات تنفيذية سريعة
تشكيل فريق قيادة التغيير، مراجعة العمليات الحالية، إعداد خارطة طريق واضحة، تحديد مؤشرات الأداء الأولية.
توسيع نطاق العملية، إعتماد التعليم الهجين أو الرقمي، تفعيل نظام التغذية الراجعة والمساءلة، نشر تقرير أداء أولي، تعديل اللوائح بناءً على النتائج.
توسيع نطاق التحسين ليشمل البحث والإبتكار، الشراكات المجتمعية، وتقييم الهيكل التنظيمي إذا لزم الأمر.
ضبط العملية الإداريةوالتعليمية في الجامعات ليس مهمة بسيطة وسهلة، لكنه إستثمار مباشر في جودة التعليم، حيث تشمل، رضا الطلبة، سمعة الجامعة، وكفاءة إستخدام الموارد. من خلال التخطيط الصحيح، التحول الرقمي، ضمان الجودة، القيادة المؤسّسية، والمرونة في التكيّف، يمكن للجامعة أن تنهض إلى مستوى أعلى من الأداء والتميز.
إذا كنتم في جامعة أو كلية، فلتكون هذه الرؤية دليلاً للتحرك نحو التغيّر. فالتعليم العالي اليوم ليس فقط ما يُدرّس أو يُبحث، بل كيف يُدار ويُقدّم للمجتمع بأفضل صورة ممكنة.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
26-10-2025 10:50 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||