26-10-2025 10:49 AM
بقلم : موفق عبدالحليم ابودلبوح
تُعَدّ المبادرات المجتمعية تجسيدًا حيًّا لفكرة التنمية بالمشاركة، إذ تنطلق من قناعة راسخة بأن التغيير الحقيقي يبدأ من داخل المجتمع ذاته، من خلال وعي أفراده بمشكلاته وقدرتهم على ابتكار الحلول المناسبة لها فالمبادرة المجتمعية ليست فعلًا عابرًا، بل ممارسة حضارية تعبّر عن تحوّل المجتمع من موقع التلقّي إلى موقع الفعل والمشاركة في صياغة مستقبله ويشكّل مفهوم التنمية المستدامة أحد المحاور الرئيسة في مسيرة الإصلاح الأردني، إذ تسعى الدولة إلى بناء نموذج تنموي يوازن بين متطلبات النمو الاقتصادي والحماية الاجتماعية والاستدامة البيئية. وفي هذا السياق، برزت المبادرات المجتمعية كأداة وطنية تعزز المشاركة الشعبية في تحقيق أهداف التنمية حيث تُعدّ هذه المبادرات ترجمة عملية لقيم العطاء والمواطنة، وتعبّر عن وعي الأفراد بدورهم في تحسين واقعهم المحلي، وتُسهم في ترسيخ ثقافة المسؤولية المشتركة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
وكمفهوم تُعرَّف المبادرات المجتمعية في الأردن بأنها "جهود تطوعية ذات طابع تنموي يقوم بها أفراد أو مجموعات أو مؤسسات محلية لمعالجة قضايا مجتمعية محددة" (وزارة التنمية الاجتماعية، 2021) وقد تنوّعت أشكال هذه المبادرات لتشمل مجالات التعليم، والصحة، والتمكين الاقتصادي، وحماية البيئة، ودعم الفئات الأقل حظًا وتمثل هذه الجهود جزءًا من الحراك المدني الذي يتكامل مع الخطط الحكومية في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (SDGs) ضمن الأجندة الوطنية.
لقد أثبتت المبادرات المجتمعية دورًا مهمًا في دعم الاقتصاد المحلي، خاصة في المناطق الريفية والأطراف، من خلال:
• تشجيع ريادة الأعمال الاجتماعية وتمكين الشباب والنساء عبر التدريب والتمويل الصغير.
• دعم المشاريع المنزلية والحرفية التي وفرت فرص عمل مستدامة وساهمت في خفّض نسب البطالة.
• تعزيز ثقافة الاستهلاك والإنتاج المحلي بما يتوافق مع رؤية التحديث الاقتصادي 2033 التي تركز على الابتكار وتمكين القطاعات الناشئة.
كما ساهمت المبادرات المجتمعية في الأردن في تعزيز التماسك الاجتماعي وبناء شبكات تضامن محلية، من خلال:
• دعم الأسر المحتاجة عبر مبادرات التكافل والتبرع المجتمعي.
• تنظيم حملات توعوية في مجالات الصحة والتعليم ومكافحة العنف الأسري.
• تمكين الشباب من خلال مبادرات تدريبية ومراكز تطوع مثل مبادرة "نحن" – المنصة الوطنية للمشاركة الشبابية.
هذه الجهود لم تُحدث فقط أثرًا إنسانيًا، بل عمّقت أيضًا إحساس الأفراد بالانتماء الوطني والمشاركة الفاعلة في صنع التغيير.
وفي ظل التحديات البيئية التي يواجهها الأردن كندرة المياه والتصحر، برزت مبادرات بيئية فاعلة تهدف إلى تعزيز الوعي والممارسات المستدامة، مثل:
• "ارسم بسمة وازرع شجرة" التي تعمل على تشجير المناطق الجافة.
• "بيئتنا مسؤوليتنا" التي تعزز ثقافة إعادة التدوير في المدارس.
وبالرغم من نجاح العديد من المبادرات، إلا أن التحديات لا تزال قائمة، من أبرزها:
• ضعف التمويل والاستدامة المالية للمبادرات الصغيرة.
• البيروقراطية في الإجراءات القانونية والتنظيمية.
• محدودية ثقافة التطوع في بعض المناطق الريفية.
• ضعف التنسيق المؤسسي بين المبادرات المختلفة مما يؤدي إلى تكرار الجهود.
ولتجاوز هذه العقبات، لا بد إنشاء حاضنات اجتماعية وطنية لدعم الابتكار المجتمعي، وتعزيز التكامل بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص.
وكون رؤية التحديث الاقتصادي في الأردن تركز على تمكين المواطن ليكون محور التنمية ، فإن تعزيز المبادرات المجتمعية يُعدّ مدخلًا رئيسيًا لتحقيق الرؤية من خلال:
• دمج ثقافة المواطنة الإنتاجية في التعليم والتدريب.
• إنشاء صناديق تمويل وطنية لدعم المبادرات المحلية.
• اعتماد مؤشرات لقياس الأثر الاجتماعي والاقتصادي للمبادرات.
• تشجيع الشراكات الثلاثية (حكومة – مجتمع مدني – قطاع خاص) في إدارة المشاريع المجتمعية.
ختاماً تشكل المبادرات المجتمعية في الأردن ركيزة أساسية في منظومة التنمية المستدامة، إذ تسهم في تمكين الأفراد، وتحفيز الاقتصاد المحلي وتحقيق العدالة الاجتماعية وحماية البيئة وقد أثبتت التجربة الأردنية أن العمل المجتمعي، حين يُدار بكفاءة ويُدعم بسياسات وطنية واضحة، قادر على إحداث تغيير تنموي ملموس ومستدام لإن دعم هذه المبادرات وتوسيع نطاقها يتطلب إطارًا مؤسسيًا متكاملًا، يضمن استمراريتها ويحوّلها من جهود متفرقة إلى قوة مجتمعية منتجة تسهم في تحقيق رؤية الأردن نحو اقتصاد مزدهر ومجتمع متماسك.
موفق عبدالحليم ابودلبوح
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
26-10-2025 10:49 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||