23-10-2025 09:55 AM
بقلم : لانا أبو سنينة
لم تكن المحادثة مع جود، ابنة أخي ذات الأعوام العشرة، مجرد دردشة عابرة عن انتخابات مجلس الطلبة.
كانت أشبه بمرآة صادقة، عكست حجم الأزمة التي نعيشها نحن الكبار دون أن نعترف بها.
سألتها مازحة بعد عودتها من المدرسة:
"مين انتخبتي يا جود؟
قالت بفخر الطفولة: "نايا.
فسألتها: "وليش نايا؟"
أجابت بعفويةٍ لاذعة:
"كلهم حَكوا بدهم يودونا رحلة على العقبة، وبدهم يزيدوا العلامات، وبدهم يلغوا الامتحانات... بس يا عمّتو كله كذب، بيضحكوا علينا."
في لحظةٍ واحدة، قالت جود ما يقوله المواطن البالغ بعد عقودٍ من التجارب السياسية: "كله كذب."
طفلة في الصف الرابع لم تتعلم بعد مصطلحات "البرامج الانتخابية" أو "الخطاب الشعبوي"، لكنها استطاعت أن تكتشف الزيف وتفقد الثقة في أول تجربة ديمقراطية تخوضها.
ما حدث مع جود ليس تفصيلاً بسيطاً، بل قصة مصغّرة لأزمةٍ كبرى يعيشها المجتمع كله.
فما يُفترض أن يكون تدريباً تربوياً على المشاركة والمسؤولية في المدرسة، يتحوّل في كثير من الأحيان إلى نسخة مصغّرة من السياسة الواقعية
شعارات براقة بلا مضمون، ووعود مبالغ بها، وتسابق على نيل الأصوات بأي وسيلة.
حين يرى الأطفال أن من يفوز هو من "يَعِد أكثر" لا من "يعمل أكثر"، فإننا نُعيد إنتاج الخلل نفسه الذي ينهك ديمقراطيات الكبار.
وحين تبدأ الثقة بالتآكل في عمر العاشرة، فماذا ننتظر من أجيالٍ ستكبر وهي مقتنعة أن التصويت لا يغيّر، وأن الصدق لا يُكافأ؟
هذه ليست مسؤولية المدرسة وحدها، بل مسؤولية مجتمعٍ كامل يُرسل رسائل متناقضة لأطفاله:
نحدثهم عن القيم، ثم نكافئ المراوغة؛ نعلمهم الصدق، ثم يرون الكذب طريقاً للنجاح.
إذا أردنا لأبنائنا أن يؤمنوا بالديمقراطية، علينا أن نعيدها أولاً إلى معناها الحقيقي:الصدق، والمساءلة، واحترام الرأي الآخر، والشعور بالمسؤولية تجاه الجماعة.
فالديمقراطية ليست صندوق اقتراع، بل تربية طويلة تبدأ من الصف الخامس، لا من قبة البرلمان.
ربما لم تكن جود تدرك عمق ما قالته، لكنها قالت – ببساطة وصدق – ما نخشى نحن الكبار قوله: "كله كذب."
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
23-10-2025 09:55 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||