سرايا - سراييفو (Sarajevo)، عاصمة البوسنة والهرسك، قد تكون معروفة لدى السياح بتاريخها الغني وثقافتها المتنوعة، لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن السحر الحقيقي للمنطقة يكمن في القرى الجبلية المحيطة بها. على ارتفاعات تتراوح بين الغابات الكثيفة والمراعي الخضراء، تنتشر قرى هادئة تمنح الزائر ملاذًا بعيدًا عن صخب المدن، حيث يمكن للمرء أن يستمع لصوت الطبيعة فقط؛ خرير الجداول، صفير الرياح بين الأشجار، وطرقات أقدام الماشية العائدة إلى حظائرها عند الغروب. هذه القرى ليست مجرد وجهات ريفية، بل تجربة روحية تبعث على الصفاء، وتكشف جانبًا أصيلًا من الثقافة البوسنية، حيث لا يزال الناس يعيشون بإيقاع بطيء، ويستقبلون الضيوف بكرم تقليدي لا يخفت بمرور الزمن. لذلك أصبحت مقصدًا مثاليًا لكل من يبحث عن عطلة هادئة، بعيدًا عن مسارات السياحة المزدحمة.

ترهانوفيتشي ولوكوميير.. نماذج للبساطة الأصيلة من بين أبرز القرى التي تستحق الزيارة تبرز قرية ترهانوفيتشي الواقعة على منحدرات جبل بيلاشنيتسا، والتي تحولت إلى وجهة محبوبة لمحبي التنزه الجبلي والتزلج شتاءً. تتميز ببيوتها الخشبية التقليدية التي تبدو وكأنها جزء من المشهد الطبيعي، وبمزارعها الصغيرة التي يديرها السكان المحليون بأساليب تقليدية توارثوها عبر الأجيال. أما قرية لوكوميير فهي واحدة من أكثر القرى عزلة في المنطقة، لا يصل إليها إلا عبر طرق جبلية متعرجة، لكنها تكافئ الزائر بمناظر لا تُنسى؛ منحدرات شديدة الانحدار ووديان سحيقة وخطوط أفق تلتقي فيها الجبال بالسماء. سكان القرية ينتمون لقبيلة دينية قديمة، ويحافظون على طرق الحياة التقليدية من دون كهرباء في بعض البيوت أو وسائل اتصال حديثة، مما يجعلها رحلة عبر الزمن أكثر من كونها زيارة سياحية.


أنشطة بطيئة بإيقاع ريفي هادئ زيارة القرى الجبلية المحيطة بسراييفو ليست مجرد نزهة لمشاهدة المناظر، بل فرصة لخوض تجارب بسيطة لكنها عميقة التأثير. يمكنك السير على مسارات المشي الطويلة التي تمر بين الغابات والمروج، أو ركوب الدراجات الجبلية عبر الطرق الريفية الممهدة جزئيًا. كما يمكن الانضمام إلى السكان المحليين في بعض الأنشطة الزراعية مثل جمع العسل من خلايا النحل، أو صناعة الجبن التقليدي المعروف في المنطقة بطعمه المدخن. بعض العائلات تتيح للزوار تجربة إعداد الخبز البوسني في الأفران الحجرية، أو المشاركة في جلسات شاي عشبي على الشرفة المطلة على الوديان، حيث تمتزج الروائح الطبيعية بصوت الأجراس البعيدة. وحتى في الشتاء، تتحول بعض القرى إلى مساحات مثالية للتزلج الريفي وركوب الزلاجات الخشبية.

إقامة ريفية بطابع دافئ وكرم ضيافة لا يُنسى ما يجعل هذه القرى أكثر سحرًا هو أنها ليست مجرد مواقع طبيعية، بل أماكن تُشعرك بأنك في بيتك الثاني. معظم الإقامات المتوفرة هناك هي بيوت ضيافة عائلية أو أكواخ خشبية تديرها عائلات محلية، تقدم وجبات منزلية مطهوة على الطريقة التقليدية، وغرفًا مزينة بقطع خشبية وأغطية صوفية منسوجة يدويًا. لا توجد أنظمة ترفيه رقمية أو تلفاز في كثير من هذه البيوت، لكنك لن تحتاج إليها، إذ يكفي أن تجلس بجوار المدفأة بينما تستمع لحكايات العائلة عن حياة الجبل وتقلبات الفصول. أسعار الإقامة غالبًا ما تكون في متناول الجميع، مما يجعل التجربة مناسبة للمسافرين الباحثين عن الهدوء دون تكاليف باهظة.

في نهاية المطاف، قرى سراييفو الجبلية ليست مجرد وجهة، بل فلسفة حياة تدعوك إلى التباطؤ، إلى إعادة اكتشاف بهجة الأشياء البسيطة، وإلى تذوق جمال الصمت الذي لا يعرفه سكان المدن. إنها السياحة كما يجب أن تكون: بلا ضوضاء، بلا استعجال، فقط طبيعة نقية وقلوب مفتوحة ترحب بك كما لو كنت واحدًا من أبنائها.