22-10-2025 09:31 AM
بقلم : نضال أنور المجالي
في خضم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف ببلادنا، يبرز ملف الكفاءات الوطنية والأيادي الماهرة كأحد أثمن الأصول التي تمتلكها الدولة. إنها كنوز بشرية قادرة على إحداث قفزة نوعية في مسيرة التنمية. ولهذا، فإننا نقف اليوم على مفترق طرق يثير تساؤلات جوهرية تتخطى حدود الإدارة والتنظيم لتلامس صميم الانتماء والمسؤولية الوطنية.
لقد أثار تصريح معالي وزير الداخلية الأردني، الذي دعا فيه أوروبا إلى فتح قنوات هجرة قانونية للعمالة الماهرة، موجة من العتب المشروع والقلق العميق. فبدلًا من أن يكون تركيزنا منصبًا على كيفية الاحتفاظ بهذه الطاقات الجبارة واستثمارها، يبدو وكأننا نُسهّل طريق التخلي عنها، ولو بنيّة التخفيف من ضغط سوق العمل أو جلب التحويلات المالية.
نزيف الكفاءات: عتاب على أولوياتنا
إن الاستثمار الحقيقي والأولى بالرعاية هو الاستثمار في الإنسان، وتحديدًا في اليد الماهرة التي تملك القدرة على البناء والابتكار وإضافة القيمة. فالحِرفي المتقن، والمهندس المبدع، والفني المتخصص، هم العمود الفقري لأي عملية نهوض مستدامة.
أليس من الأولى، بل من الواجب الوطني، أن نوجه جل اهتمامنا وجهودنا لخلق البيئة الجاذبة التي تجعل الوطن هو الخيار الأفضل والأكثر ربحًا لهذه الكفاءات؟ فكلما اضطر صاحب المهارة إلى البحث عن فرصة في الخارج، فإن الوطن لا يخسر فردًا فحسب، بل يخسر رأس مال بشريًا تم استثمار الكثير من الوقت والمال والجهد في تعليمه وتدريبه. إنها "هجرة عقول وكفاءات" تشكل نزيفًا حقيقيًا لا يتوقف في شريان التنمية الوطنية.
العتب يكمن في تحويل الحلول التكتيكية قصيرة الأمد إلى استراتيجية دائمة على حساب فقدان طاقاتنا القادرة على بناء المستقبل. فهل أصبح الحل الأسهل هو "التصدير" بدلًا من "الاستثمار في البناء الداخلي"؟
رؤية استراتيجية تتطلب خطوات جريئة
يجب أن تكون رؤيتنا للمستقبل رؤية استراتيجية وبعيدة المدى. يمكن النظر إلى تصريح الوزير كـجرس إنذار يدعونا للتفكير بعمق: لماذا تبدو بلادنا أقل جاذبية لكفاءاتنا من أي وجهة أخرى؟ الإجابة تكمن في أولوية الاستثمار الداخلي الذي يتطلب خطوات جريئة تظهر تقديرنا الحقيقي لهذه الأيدي:
توفير فرص عمل كريمة ومحفزة تُوازي قيمتهم الحقيقية وجهدهم المبذول.
دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يقودها الشباب الماهر، وتسهيل الإجراءات البيروقراطية.
تطوير منظومة التعليم والتدريب المهني لربطها بشكل وثيق باحتياجات سوق العمل المحلي لا العالمي.
إن واجبنا كدولة ومجتمع هو الاستثمار المُركَّز في كوادرنا، وضمان أنهم يجدون في وطنهم المساحة الكافية للإبداع والنمو والمساهمة الفاعلة. فبلادنا هي الأولى بخيرات أبنائها المهرة، والنهوض لن يتم إلا بسواعدهم.
لنجعل من شعار "الوطن أولًا" تطبيقًا عمليًا يعني أن اليد الماهرة والوطنية هي أولى أدوات البناء، وأن احتضانها وتأمين مستقبلها هنا هو الطريق الأقصر والأكثر استدامة نحو المستقبل الذي نطمح إليه.
حفظ الله الأردن والهاشميين وشبابنا الصاعد.
الكاتب/ نضال أنور المجالي
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
22-10-2025 09:31 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||