19-10-2025 12:31 PM
بقلم : الدكتور فارس العمارات
في ظل الجهود الوطنية الاستثنائية التي كانت تبذلها الاجهزة الامنية في ايام كانت الظروف تغلفها اجواء الربيع العربي والتي كانت الى حماية المسيرات والتظاهرات التي شهدتها المملكة الاردنية الهاشمية ضمن الحراك الشعبي ان هذه الاجواء كانت حاضرة في فكر الفريق المجالي الى التوجهات السياسية للامن العام الذي يحرص على تطبيق القانون لحماية كل من يريد التعبير عن رأيه . ولأن الخصوصية الاردنية في التعاطي مع تداعيات الربيع العربي كانت محط اعجاب وتقدير الاسرة الدولية ، فقد القى ذلك بظلاله على النهج الحضاري والديمقراطي الذي اتبعته الاجهزة الامنية مع هذه التداعيات ، ممثلا باتباع نهج الامن الناعم في سبيل توفير الحماية لكافة اشكال التعبير السلمي عن الراي .
ومع ذلك فهناك من حاول خدش هذه الصورة الامنية الحضارية باخراج المسيرات والتظاهرات عن مساراتها التعبيرية السلمية ، ممن اختاروا مخافة القانون والخروج عن القيم والعادات الاردنية الاصيلة بالتمادي على القانون وتعطيل مصالح الناس والتعدي على المٌمتلكات العامة والخاصة . ما دفع مدير الامن العام إلى تحذير هذه الزمرة الضالة بعدم فهم هذا التعاطي الحضاري والتعامل بقبضة حريرية مع المسيرات ووسائل التعبير الاخرى ،وتفسيره بانه استكانة وضعفا ، بقدر ما هو رفع لمصلحة الوطن فوق كل اعتبار .
ان الاستراتيجيات الامنية التي تعدها مديرية الامن العام ، وما انطوت عليه من افكار وتوجهات اسهمت بالارتقاء بمستوى الاداء الامني إلى مستويات متقدمة وطموحة ، تستحق الاشادة لتبقى الشاهد على القفزات النوعية اللافتة التي حققتها هذه المؤسسة الوطنية ، اتساقا مع حرصها على ترسيخ مفهوم الامن الشامل الذي بات يُميز الرسالة الامنية الاردنية . وما الانجازات والنجاحات المميزة التي باتت سمة ملازمة للاداء الشرطي في الاردن ، الا الدليل القاطع على ما تتحلى به كوادر الامن العام من رؤى وامكانات وقدرات على ترجمة الخطط والاستراتيجيات إلى خطوات ملموسة ، تعود بالفائدة والنفع على الاردن، وهذا ما يفسر النجاحات التي تحققت من حيث ارتفاع نسبة اكتشاف الجريمة وانخفاض حوادث السير وبنسب وصلت إلى اكثر من 30% ، والذي يٌعزى إلى فاعلية الرقابة والتوعية المرورية ،واستخدام التكنولوجيا في العديد من المجالات الشرطية.
وقد جنب " الأمن الناعم" في التعامل مع الحراك السياسي النظام السياسي سيناريو الصدام مع الشعب وكان هذا بلا شك خيارا حكيما. وإلى جانب ذلك، طرحت الدولة مبادرات سياسية وخططا إصلاحية، صحيح أنها لم ترتق إلى مطالب الأحزاب والحراكات، لكنها ساهمت في خلق حالة حوار أشغلت الشارع السياسي وامتصت ولو لفترة من الوقت حالة الاحتقان.
الا أن استراتيجية الأمن الناعم بدأت تستنفد أغراضها بعد سنة على اعتمادها. والسبب أن الدولة بالغت في الاعتماد عليها، وساد في أوساطها الاعتقاد بأن الحراك الشبابي والحزبي المنضبط هو النسخة الوحيدة للربيع الأردني، الا ان الأمر لم يكن كذلك. ففي الأشهر الأولى من العام الحالي، ظهرت ملامح أولية لنسخة ثانية من الحراك أكثر خشونة وعنفا، تنامت مظاهرها مع مرور الوقت حتى كادت تغطي على صورة الحراك السلمي. والعنوان العريض للنسخة الثانية من الحراك: تحدي سلطة الدولة ورموزها، واللجوء إلى أشكال غير قانونية للاحتجاج، كقطع الطرق، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، واقتحام المباني العامةواستهداف مراكز الأمن.
والمحرك الأساسي لهذا النوع من الاحتجاجات يكون، في الغالب، قضايا مطلبية جماعية، مثل انقطاع المياه عن الأحياء السكنية، أو البحث عن فرص عمل في ظل ارتفاع معدلات البطالة، والمطالبة بتحسين أوضاع الموظفين والعاملين في مؤسسات عمومية. وفي بعض الأحيان، تكفي مظلمة فردية لتفجير حالة احتجاج. وشهدنا في الآونة الأخيرة تزايد محاولات الانتحار على خلفية مطالب شخصية.
ورافق ذلك كله عنف اجتماعي على خلفية جرائم قتل، بالإضافة إلى العنف المصاحب لامتحان الثانوية العامة، ولجوء البعض إلى القوة لممارسة الغش في الامتحانات،والتطور اللافت في الاحتجاجات المطلبية أن شعاراتها أصبحت تكتسي طابعا سياسيا. فالمٌحتجون لا يكتفون بإحراق الإطارات وإغلاق الشوارع عند انقطاع المياه عن منازلهم، وإنما يصبون نقمتهم على الدولة والرموز السياسية. وفي هذه الحالة، نكون أقرب إلى ما يمكن وصفه بالعنف السياسي الذي لم يصل الى حد الصدام الذي كان يتجنبه الأردن معتمدا على نظرية الصدام الإيجابي من خلال استخدام نظرية الامن الناعم في التعامل مع الجمهور انا كان شكله ونوعه وحجمه .
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
19-10-2025 12:31 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |