13-10-2025 04:18 PM
بقلم : م. محمد العمران الحواتمة
الأردن... قطعة من الصخر تتحدى الزمان ، وأرض من العز لا تعرف الانكسار . وطن ولد في عين العاصفة ، واشتد عوده وهو يحرس العروبة في زمن خانها فيه كثيرون . لم يولد الأردن في نعيم ، بل ولد في النار ، وعاش على الكفاح ، وبنى مجده من العرق والدم والإيمان .
هنا أرض كل ذرة من ترابها حكاية بطولة ، وكل جبل شاهد على صبر الرجال . هنا وطن لا يملك النفط ، لكنه يملك رجالاً من ذهب ، وقيادة من نسل الهاشميين جعلت من الكرامة عقيدة ، ومن الشرف ميثاقاً ، ومن الدفاع عن الأمة واجباً لا يسقط بالتعب ولا بالسنين .
الأردن ليس دولة تبحث عن دور ، بل هو الدور ذاته ، هو الثابت حين ينهار الآخرون ، والعاقل حين يجن العالم ، والواقف حين تنحني الرقاب . في محيط ملتهب بالدمار والخذلان ، بقي الأردن واقفاً كالرمح ، لا يساوم على عروبته ، ولا يتنازل عن كرامته ، ولا يبدل مواقفه وإن جاع شعبه .
ومع ذلك ، يخرج بين الحين والآخر من يشكك ، من يطعن ، من يلوك اسم الأردن بلسان حاقد لا يعرف معنى الوفاء .
يتحدثون عن الأردن وكأنه بلد عابر ، وكأنهم نسوا أنه الوطن الذي حملهم حين أسقطتهم أوطانهم ، وآواهم حين لفظتهم الأرض ، وداواهم حين جرحهم العالم .
من فلسطين إلى العراق إلى سوريا إلى اليمن إلى ليبيا ، كان الأردن حضن العرب حين بردت القلوب ، وملاذ المظلوم حين ضاقت الأرض .
لم يسألهم عن دينهم ولا لهجتهم ولا انتمائهم ، بل قالها ببساطة لا يقولها إلا الكبار : أنتم إخوتنا قبل أن تكونوا ضيوفنا .
ومع ذلك ، يأتي من يزايد ويأتي من يتطاول ويأتي من يتهم الأردني بالعنصرية إن اعتز بإردنيته .
أي جهل هذا ؟ منذ متى صار حب الوطن تهمة ؟ منذ متى صار الفخر بالانتماء تشدداً ؟
الأردني حين يقول أنا أردني ، لا يقولها كبراً ، بل يقولها لأنه يعرف من هو ، ويعرف ماذا دفع وطنه ثمناً لمواقفه . يقولها وهو ابن جيش عربي قاتل دفاعاً عن القدس ، وسكب دماءه على أسوارها ، وسطر مجده في اللطرون وباب الواد والقدس القديمة ومعركة الكرامة .
يقولها وهو ابن وطن حمل هم فلسطين كأنها جزء من روحه ، ولم يبدل موقفه مهما تغيرت الوجوه واهتزت الموازين .
منذ حرب 1948 وحتى اليوم ، لم يكن هناك من قدم في سبيل القدس ما قدمه الأردن . آلاف الشهداء من الجيش العربي الأردني رقدوا في ثرى فلسطين ، ليقول التاريخ إن من دافع عن القدس أولاً وآخراً هو الأردن . هو من بقي على العهد حين باع كثيرون الكلام ، وهو من حمل الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية كعهد مقدس لا يكسر .
القدس في عين كل أردني ليست شعاراً ، بل جرحاً مفتوحاً في القلب ، ومسؤولية في الرقاب ، ووصية من الهاشميين منذ الشريف الحسين بن علي وحتى اليوم .
وحين يقال إن الأردن قدم القليل ، فليفتح سجل التاريخ ، وليقرأ بالأسماء : كل حجر في القدس يعرف اسم شهيد أردني سقط لأجلها .
الأردن لم يبن على شعارات، بل على مواقف. فحين باع البعض كرامته ، تمسك الأردن بشرفه وحين صمت الآخرون عن فلسطين ، تكلم الأردن بدمه لا بصوته فقط ، وحين انشغل العالم بالمصالح ، بقي الأردني مشغولاً بالقيم والحق والمروءة .
نحن لا نقول إننا الأفضل ، بل نقول إننا الأصدق. نحن لا نرفع صوتنا غروراً ، بل نرفعه دفاعاً عن كرامة لم تهتز يوماً . نحن شعب ولد في مدرسة النخوة ، وتربى على التضحية ، وعاش وهو يرى قيادته تضرب أروع الأمثلة في الثبات والعدل والحكمة .
فليسمع كل مشكك ، وليفهم كل حاقد :
الأردن لم يكن يوماً تابعاً لأحد ، ولن يكون . الأردن لا يخضع لتهديد ، ولا يبيع موقفاً ، ولا يساوم على شرف .
الأردن لا يخاف من قلة الموارد ، لأنه يملك أغلى من المال ... يملك النشمي الأردني ، ذلك الذي إذا غضب دوى صوته في الأرض كلها .
هذه البلاد ليست جغرافيا ترسم على خريطة ، بل كرامة تسكن في القلوب ، ودم يسري في العروق .
كل شبر من ترابها صنعه جهد ، وكل صخرة فيها تشهد على صبر شعب لم يعرف يوماً معنى الانكسار .
الأردن ليس كبيراً بمساحته ، بل بموقفه و ليس غنيا بموارده ، بل برجاله و ليس محمياً بالمال ، بل بالإيمان والوفاء .
فدعوا الحاقدين يتكلمون ، ودعوا الصغار يثرثرون ، فالأردن جبل لا تهزه ريح ، وتاريخ لا يلغيه كلام .
ارفع رأسك أيها الأردني ، فأنت ابن من إذا قال فعل ، وإذا وعد وفى ، وإذا وقف صمت الجميع احتراماً ، ارفع رأسك فأنت ابن وطن جعل من الكرامة منهجاً ، ومن الوفاء دستوراً ومن الدفاع عن القدس شرفاً لا يساوم عليه . ارفع رأسك فأنت حفيد الثورة العربية الكبرى ، ابن القيادة الهاشمية التي حفظت الأمانة وسارت بالوطن وسط النار دون أن تنكسر . ارفع رأسك لأنك أردني ، لأنك لم تساوم ، ولم تخن ، ولم تترك أخاك في العراء . ارفع رأسك لأنك من نسل رجال عرفوا أن الوطن لا يحب بالكلام ، بل يصان بالفعل والدم والوفاء .
وسيبقى الأردن ما بقيت السماوات والأرض ، وطناً للكرامة ، ومنارة للشرف ، وسيفاً مرفوعاً في وجه الزيف والخذلان . وسيبقى الأردني كما كان دائماً ، شامخاً كالسيف ، صادقاً كالقسم ، وفياً كالعهد ، لا يبدل مواقفه ، ولا يساوم على عروبته ، ولا يترك القدس ما دام فيه نفس واحد .
سلام على الأردن ، وسلام على كل من حمل اسمه بفخر واعتزاز ، وسلام على الهاشميين الذين جعلوا من هذا الوطن قلعة للعزّ ، وملاذاً للشرف ، وصوتاً للحق في زمن صمتت فيه الأصوات .
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
13-10-2025 04:18 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |