13-10-2025 08:58 AM
بقلم : د. خالد الشقران
في وقت يتبدى فيه أن الحرب على غزة بلغت نهايتها، خاصة في ظل وجود دلالات تشير إلى أن ثمة تصميماً دولياً على إنهاء العدوان وفتح نافذة لسلام يفترض أنه سيكون حقيقياً في الشرق الأوسط، ينبغي التأكيد أن كل هذا لم يكن ليحدث لولا الجهود الوفية والمخلصلة التي بذلت في سبيل خلق حالة من العمل الدولي المشترك لوقف العدوان على غزة مع التأكيد على ضرورة العودة لحل الدولتين كسبيل وحيد للسلام والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمة ذلك الجهد الدبلوماسي والإنساني المتواصل للمملكة الأردنية الهاشمية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني.
سيُسجل التاريخ أن جلالة الملك كان أول من تكلم وتحرك بدبلوماسية فاعلة حين ساد الصمت، ففي الوقت الذي انجرف فيه الغرب وراء الرواية الإسرائيلية التي سعت إلى طمس السردية الفلسطينية ووصم الشعب الفلسطيني بالإرهاب، كان الملك أول من يأخذ زمام المبادرة لتذكير العالم بأن الحق الفلسطيني لا يمحى بالصوت العالي ولا بالقوة العسكرية، وأن القانون الدولي لا يمكن أن يُختزل في وجهة نظر المنتصر، فمن منابر الأمم المتحدة إلى أروقة البيت الأبيض والعواصم الأوروبية، كان صوت جلالته ثابتاً في الدفاع عن حق الفلسطينيين بالحرية والكرامة، وفي تذكير المجتمع الدولي بمسؤولياته الأخلاقية تجاه شعب محاصَر منذ عقود، مؤكداً أن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية هي المدخل الحقيقي لتحقيق الأمن والسلام الدائم في المنطقة.
سيُسجل التاريخ أن الملك عبد الله الثاني طرق أبواب العواصم ومراكز القرار الدولية في تلك المرحلة الحرجة، مؤكداً أن القتل والدمار لا يخلقان سلاماً، وأن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لإنهاء دوامة العنف، ففي لقاءاته مع قادة العالم كان جلالته يحمل رسالة واحدة: «العدالة أولاً»، لأن سلاماً لا يقوم على العدالة هو سلام زائف.
سيُسجل التاريخ أن الأردن بقيادة الملك عبد الله الثاني وقف بشجاعة ضد محاولات تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية، وواجه الاعتداءات الإسرائيلية على الشجر والحجر والإنسان، وتصدّى لمحاولات الاحتلال تغيير معالم الأرض عبر التوسع في الاستيطان ومصادرة الأراضي، مستنداً إلى موقف ثابت يؤمن بأن الأرض هي جوهر الهوية الفلسطينية وأن القدس قلب الصراع، انطلاقاً من المبدأ التاريخي الذي جسدته الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، حيث حافظ الأردن على هوية المدينة، ومنع عبر جهوده الدبلوماسية قرارات كانت تهدف إلى تقويض طابعها العربي الأصيل، مؤكداً أن حماية القدس هي جزء من حماية السلام ذاته، وأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو الطريق الواقعي الوحيد لإنهاء هذا الصراع الطويل.
سيُسجل التاريخ أن الأردن لم يقف عند حدود الخطاب السياسي، بل ترجم التزامه بالفعل الإنساني، فمنذ اندلاع الحرب وحتى مطلع تشرين الأول 2025، نفذت القوات المسلحة الأردنية، عبر سلاح الجو الملكي، 163 عملية إنزال جوي منفردة داخل قطاع غزة، إلى جانب 396 عملية مشتركة مع دول شقيقة وصديقة، حاملة آلاف الطرود من الغذاء والدواء والمستلزمات الطبية العاجلة، بإجمالي 793 طناً من المساعدات. وعلى الأرض، سيرت المملكة 181 قافلة برية عبر معبر الكرامة، ضمت 7,932 شاحنة من المساعدات الغذائية والطبية بالتنسيق مع برنامج الأغذية العالمي ومنظمات الأمم المتحدة، ليبقى الأردن في طليعة الداعمين لغزة إنسانياً دون توقف أو انقطاع، مؤكداً أن الموقف الإنساني هو الوجه الآخر لموقفه السياسي القائم على العدالة والكرامة وحق الشعوب في الحياة.
سيُسجل التاريخ أن الأردن لم يكتفِ بإيصال المساعدات، بل فتح أبوابه للعلاج والأمل، فقد أعلن جلالة الملك استعداد الأردن لاستقبال نحو ألفي طفل من غزة يعانون أمراض السرطان والأمراض المزمنة، مؤكداً أن ذلك واجب إنساني قبل أن يكون عملاً سياسياً، واستقبلت المستشفيات الأردنية فعلاً عدداً كبيراً من الأطفال المرضى بالسرطان لتلقي العلاج والرعاية في مركز الحسين للسرطان ضمن برنامج علاجي خاص.
سيُسجل التاريخ أن مبادرة «إعادة الأمل» الأردنية قدمت نموذجاً في الطب الإنساني، إذ جرى تركيب مئات الأطراف الاصطناعية لجرحى غزة ممن فقدوا أطرافهم جراء القصف، بجهود مشتركة من القوات المسلحة والمستشفيات الميدانية الأردنية داخل القطاع، إلى جانب خدمات إعادة التأهيل والعلاج الطبيعي. لقد حمل الأطباء والممرضون الأردنيون رسائل الرحمة من عمّان إلى غزة، وأعادوا الحركة إلى أجساد أنهكها الألم والألغام، وحياةً إلى وجوه أطفأها اليأس، لتبقى صورة الأردن رمزاً للوفاء الإنساني في زمن امتلأ بالقسوة.
سيُسجل التاريخ أن الدبلوماسية الأردنية بقيادة الملك لم تتوقف يوماً عن الدفاع عن العدالة وكرامة الإنسان. فقد قاد جلالته حملة سياسية واسعة لحشد الدعم الدولي لوقف الحرب وضمان دخول المساعدات، وأجرى اتصالات مكثفة مع قادة العالم، مؤكداً ضرورة حماية المدنيين ومساءلة الاحتلال على جرائمه. كما شارك الأردن بفاعلية في الاجتماعات الطارئة للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وقدم مذكرات قانونية للأمم المتحدة تؤكد ضرورة تنفيذ قرارات الشرعية الدولية بشأن فلسطين، مع تركيز متواصل على تثبيت حل الدولتين كإطار شامل لإنهاء الصراع، ودعوة المجتمع الدولي إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية كشرط أساسي لتحقيق الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط.
وسيُسجل التاريخ أن الجهود الملكية لم تكن منفردة، بل ساندتها إرادة وطنية متكاملة تجسدت في أدوار جلالة الملكة رانيا العبد الله وولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، إلى جانب الدعم الشعبي الذي واصل الأردنيون تقديمه للأشقاء. فقد عملت جلالة الملكة على فضح المأساة الإنسانية في غزة في المحافل الدولية والإعلام العالمي، متحدثة بصوت إنساني مؤثر أمام الرأي العام الغربي، داعية إلى إنقاذ الأطفال والنساء من الموت تحت الركام، وإلى النظر إلى الفلسطينيين كبشر لهم الحق في الحياة لا كأرقام في نشرات الأخبار. وبالتوازي، قاد ولي العهد تحركات ميدانية لدعم الجهود الإغاثية، وتابع تنفيذ الإنزالات الجوية للمساعدات إلى غزة، وشارك في تنسيق الجهود العسكرية والإنسانية بالتعاون مع القوات المسلحة والهيئة الخيرية الهاشمية، ليجسد روح المسؤولية التي غرسها فيه الملك دفاعاً عن القيم الأردنية القائمة على النخوة والعطاء والإيمان بسلام يقوم على العدالة والكرامة الإنسانية.
سيُسجل التاريخ أن الأردن، بموارده المحدودة وإمكاناته المتواضعة، تحمّل مسؤولية تفوق حجمه الجغرافي والسياسي، فكان صوته ضميراً حياً في عالم أرهقته الحسابات. لم تكن جهوده الإنسانية والدبلوماسية رد فعل مؤقتاً، بل هي نهج ممتد في الدفاع عن الإنسان وحقوقه وعن القدس ومقدساتها وعن فلسطين التي حملها الأردن في وجدانه منذ تأسيسه. ومع اقتراب لحظة إنهاء الحرب وفتح أفق لسلام ممكن، يبقى صوت الأردن، كما أراده قائده، نداء ضميرياً موجهاً إلى العالم: أن العدالة لا تتجزأ، وأن السلام لا يقوم على الركام، وأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو حجر الأساس لاستقرار طويل الأمد، وأن التاريخ سيكتب في صفحاته أن مملكةً صغيرة المساحة عظيمة الرسالة كانت منارة ضمير حين انطفأت أنوار الإنسانية.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
13-10-2025 08:58 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |