08-10-2025 08:30 AM
بقلم : ماهر أبو طير
يتراشق العرب فيما بينهم حول طريقة قراءة حرب السابع من أكتوبر، وتوزيع الاستنتاجات والاتهامات يجري كل ساعة ولحظة.
هناك اتهامات وعملية تلوين لبعض القراءات، ونقرأ دوما استخلاصات حول الحرب تتسم بكونها تنزع إلى التحليل السياسي المنطقي، وأحيانا ما ينزع بعضنا إلى التضليل المتعمد في القراءة أو الاستنتاجات أو استشراف المستقبل، وفي حالة ثالثة نقرأ ما يمكن اعتباره مجرد تجهيل للجمهور، بشكل متعمد أو بحسن نية.
هذا يعني أن الحقيقة الواحدة يمكن توظيفها بأكثر من طريقة، ولو أخذنا هجوم السابع من أكتوبر لوجدنا أن القراءات منقسمة حوله، البعض يراه عملا وطنيا يعبر عن مقاومة الاحتلال، ويشرح العوامل الموضوعية التي أدت إليه وما يمكن أن يتبعه، والبعض الآخر يمارس التضليل، فيقول لك إنه عمل وطني لكنه غير مدروس النتائج ولا الكلف، وأكبر دليل هو هذه الخسائر ثم الاستعداد للتفاوض مقابل وقف الحرب فقط، وهذا النوع يخلط بين التحليل والتضليل، ثم يأتي النوع الثالث؛ أي التجهيل، الذي يقول لك إن كل العملية أدارتها إسرائيل منذ اللحظة الأولى، وكانت تنتظرها أصلا ويسرد لك ما يراه أدلة، وهي في أغلبها مصنوعة في المختبرات المعتمة.
الخوض في هذه القصة طويل، لأن العقل يختلط فيها مع الأجندة الشخصية، ومع العاطفة، ومع تلبية مصالح أو شعبوية المتحدث أحيانا، أو الانسياق وراء الجمهور، أو حتى تنفيذ أجندة مجهولة أو معلومة، لكننا في العالم العربي نفتقد بكل أمانة إلى المؤسسات القادرة على قراءة أي حدث فاصل بمعزل عن عناوين التحليل المجرد من الموضوعية، أو ممارسة التضليل، أو تعمد التجهيل، من أجل بلورة موقف يرتكز على عوامل منطقية، بدلا من تلون القراءات التي نراها كل يوم، ومحاولة التلاعب بالجمهور.
الفلسطينيون أيضا داخل قطاع غزة، لديهم رأيهم في كل القصة، وهم الطرف الأساس الذي يقيس القضايا بمقياسه ومدى احتماله، وهو الذي ضحى بالدم والروح، ولا يمكن إغفال رأيه هنا في أي وجهة نظر، واختطاف رأيه تحت شعار التحليل عن بعد، أو توظيف دم الفلسطيني للتضليل، أو حتى التجهيل أمام واقع يتجاوز بتأثيره قطاع غزة أو الضفة الغربية، ويؤثر على كل المشرق العربي.
حالة الانقسام هذه انتقلت مثل عدوى إلى الجمهور الذي ينقسم اليوم في التقييمات، لكن هناك محاولة لإدارة الجمهور من جانب النخب التي تمثل الاتجاهات الثلاثة السابقة، وفي حالات كثيرة يكشف الجمهور السم في العسل، أو الرأي المنطقي، أو محاولة تجهيل الجمهور حول قضاياه، وأولويات وطنه وأمته.
لا يمكن أبدا أن تنجح كل محاولات التحليل أو التضليل أو التجهيل في ظل فوضى إعلامية وسياسية عارمة الكل فيها يقدم رؤيته وروايته وسرديته حول المشهد، لأن الأغلبية تتحدث من خارج قطاع غزة، ونفقد جميعا ميزة التواجد في الميدان والتأثر بالواقع، فيما مثل هذه الأزمة بحاجة اليوم إلى "مجموعة عربية" وازنة ذات عقل، تعيد قراءة كل المشهد وتستشرف المستقبل، بدلا من التعليقات اليومية، والمداخلات الإعلامية التي يمحوها اللهاث الإخباري، وتسبب المزيد من الانقسامات وسط الجمهور أمام القضايا الكبرى وكيفية إدارة الموقف منها، بما فيها القضايا المقدسة التي ترتبط بوجود الاحتلالات، وشرعية مهادنتها أو مقاومتها ولماذا ومتى.
من تأثيرات حرب السابع من أكتوبر الخطيرة أنها كشفت حجم الانقسام بين من يسمون أنفسهم النخب، وعبرت أيضا عن أزمة الإنسان العربي الذي بات أمام قراءات متباينة بعضها يقول له إن إسرائيل احتلال مجرم، والبعض يقول له إنه احتلال لا بد من مهادنته، وفريق ثالث يقول له إن إسرائيل معها أميركا، فلماذا نحاربها أصلا؟
أخطر ما نواجهه ليس التحليل منفردا، أو التضليل منفردا، أو التجهيل منفردا، فلكل نمط بصمته الواضحة المكشوفة، والأخطر هو المزج بين الأنماط الثلاثة في منطوق واحد بحسن نية، أو سوء نية.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
08-10-2025 08:30 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |