01-10-2025 04:32 PM
بقلم : أ. علي الزينات
قرأت ما كتبه الرائع دوما عبدالهادي راجي المجالي إلى خالد الكركي، بذلك العتب الذي يخالطه حب دفين ومرارة جيل عاش على خطابات البلاغة ووجد نفسه في زمن التطبيقات والمشاريع الريادية، لكن يا صديقي، هل حقًا ورّطكم خالد الكركي؟ أم أنه أنقذكم من موتٍ أبدي كان يمكن أن يكون أشد قسوة من موت الحلم؟
البلاغة التي تراها “ورطة” هي آخر ما تبقى لنا من كرامة هذا البلد. صحيح أن المتنبي لو عاش بيننا ربما باع فرسه واشترى سهمًا في البورصة، لكن صدقني : الأمة التي لا يبقى في وجدانها إلا سعر متر الأرض وثمن ستائر عبدون هي أمة بلا ذاكرة، بلا ظل، بلا معنى. خالد الكركي لم يورّطكم، بل سلّحكم بالكلمة. وما زلت أظن أن السيف قد يخون، لكن اللغة حين تتجذّر في القلب لا تخون.
أما قولك إننا اليوم نطل على الوطن من شبابيك المصالح لا من شبابيك القصيدة، فذلك ليس ذنب اللغة ولا ذنب الكركي. الذنب ذنبنا نحن الذين بعنا القصيدة لنشتري مقعدًا في مجلس إدارة، أو لنحجز لنا مكانًا على طاولة المانحين. الكركي لم ينسحب؛ بل ظل يذكّرنا بأن الأردن أكبر من (كليك) وأوسع من (البزنس بارك) ، الكركي غرس بكلماته اجزل معاني الوفاء للوطن، وارسى معاني حب الوطن .
وإن كنت ترى نفسك "ملحدًا في محراب الوطنيين الجدد"، فأنا أراك مؤمنًا حتى العظم، من يكتب بوجعك يا ابن الوطن لا يمكن أن يكون ملحدًا، بل عاشقًا مجروحًا. نحن الذين استبدلنا دم الشهداء بأرصدة البنوك، لكن خالد بقي شاهدًا على المعنى: أن الوطن كلمة أولًا، وأن الشهداء لا يموتون في اللغة.
نعم، أيها العزيز، لقد تغير الزمن. صار “مكس” أيقونة أكثر حضورًا من صالح شويعر، وصار “الترند” أهم من معركة وادي التفاح. لكن هل نلوم خالد الكركي لأنه جعلنا نؤمن بالقصيدة؟! لا. نلوم أنفسنا لأننا لم نعد نحملها كسلاح.
خالد لم يورّطكم، بل أورثكم. أورثكم جرحًا جميلًا، وغرامًا صعبًا، لكنه الغرام الوحيد الذي يجعل للعيش في هذه البلاد طعمًا. فاشكر الرجل، لا تعاتبه؛ لأنك لو لم تمرّ بتجربته، لكنت اليوم تكتب منشورات عابرة عن أسعار العقار بدلًا من أن تكتب هذا النص الذي يوجع القلب.
اللغة يا صديقي لا تقتل أحدًا… اللغة وحدها ما أبقانا أحياء.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
01-10-2025 04:32 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |