22-09-2025 06:55 PM
بقلم : د. مثقال القرالة
لم يكن الإعلان التاريخي لبريطانيا وكندا وأستراليا باعترافها الرسمي بالدولة الفلسطينية صدفة سياسية أو خطوة عابرة في لعبة المصالح الدولية، بل كان حصاد سنوات طويلة من الكفاح الدبلوماسي والمعارك السياسية التي خاضها الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، الذي جسّد بإصراره ووعيه وحكمته الضمير العربي الحيّ، وصوت العدالة في عالمٍ غارق في الحسابات الباردة. كما انه كيف تحوّلت بريطانيا، صاحبة وعد بلفور الذي زرع المأساة في قلب فلسطين، إلى نصير يدعو اليوم لإقامة الدولة الفلسطينية؟ وكيف انكسرت المقولة التي كان يفاخر بها نتنياهو بأن "ألمانيا تحميني في أوروبا" لتجد برلين نفسها مضطرة إلى مراجعة مواقفها والتخفف من عبء دعمها الأعمى لإسرائيل منذ اندلاع الحرب؟ وكيف قاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مبادرة جدّية لإحياء حل الدولتين تحت ضغط الواقع وصوت الحق الذي حمله الأردن؟ وكيف اهتزّ جدار الصمت الأوروبي، ليقرر الاتحاد الأوروبي لأول مرة مراجعة اتفاقية شراكته مع إسرائيل؟
كل ذلك لم يكن ليحدث لولا الحضور الملكي الطاغي في المشهد، ولولا قدرة الأردن على قيادة الجهد العربي والدولي بصبر وحنكة، وبصوت عاقل لكنه صلب، يرفض الانكسار أمام ماكينة الدعاية الصهيونية. جلالة الملك، في كل محفل، كان يقاتل بالكلمة والشرعية والحق، فحاصر دبلوماسية الاحتلال في عقر دارها، وأربك خطابها الكاذب، ونجح في اختراق معاقل الداعمين لها، حتى بدأت تلك الجبهات تتفكك تباعاً. ولعل التاريخ سيسجّل أن الملك عبد الله الثاني كان الزعيم العربي الوحيد الذي واجه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مباشرة، وحسم أمامه موضوع "التهجير" بالرفض المطلق، وأفشل مخططاً خطيراً كاد يعصف بالمنطقة. وهو ذاته الذي التقى المستشار الألماني أولاف شولتس قبل توليه الحكم وبعده، واضعاً الأردن في قلب معادلة القرار الأوروبي. وهو الذي لم يهدأ يوماً عن حمل القضية في جولاته العالمية، حتى وقف أمام البرلمان الأوروبي بخطاب تاريخي أعاد للأذهان معنى القيادة الأصيلة، وأيقظ ضمائر الأوروبيين من سباتهم.
لقد كان جلالته في كل لقاءاته لا يتحدث فقط باسم الأردن، بل باسم فلسطين، وباسم الأمة التي تبحث عن منبر صادق يعبّر عنها. حمل مصالح بلاده وأشقاءه بصدق، وأثبت أنه الأقدر والأصدق في تمثيل قضايا المنطقة أمام العالم. واليوم، وفي لحظة تاريخية فارقة، يقف الأردن مدركاً تماماً حجم التحولات التي تجري في المنطقة. نعم، عيون تل أبيب على الضفة الغربية، لكن الأردن لا يعرف الخوف؛ فهو مسلّح بشرعيته التاريخية، وقوة مؤسساته، ومكانة قائده. رسائله وصلت إلى كل الأطراف، وفرضت على الجميع احترامها وفهمها، بل وتقديرها.
إن جلالة الملك عبد الله الثاني لم يكن زعيماً عادياً في هذه المرحلة؛ لقد كان صوت الحق في زمن التزييف، ودرع الاستقرار في زمن الفوضى، ورأس الحربة في معركة تفكيك الرواية الصهيونية. لقد أعاد للأردن مكانته كدولة تقود ولا تُقاد، وتؤثّر ولا تنساق، وها هو العالم اليوم يجني ثمار تلك الجهود بالاعتراف المتتالي بالدولة الفلسطينية. إن التاريخ سيكتب، وبحروف من نور، أن الملك عبد الله الثاني كان وسيبقى نصير فلسطين الأول، وحامي الأردن الأقوى، وزعيم الأمة الذي جعل من الكلمة موقفاً، ومن الدبلوماسية سلاحاً، ومن الحق رايةً لا تسقط أبداً.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
22-09-2025 06:55 PM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||