حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,28 سبتمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 10149

د. دانييلا القرعان تكتب: تداعيات الاستفراد الأمريكي بالعالم في عهد ترامب، وجهة نظر

د. دانييلا القرعان تكتب: تداعيات الاستفراد الأمريكي بالعالم في عهد ترامب، وجهة نظر

د. دانييلا القرعان تكتب: تداعيات الاستفراد الأمريكي بالعالم في عهد ترامب، وجهة نظر

22-09-2025 08:57 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. دانييلا القرعان
شكّل وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض للمرة الثانية نقطة مفصلية في مسار السياسة الأمريكية تجاه العالم، فبينما اعتادت الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة لعب دور القائد العالمي ضمن إطار من التحالفات الدولية والمؤسسات متعددة الأطراف، جاء ترامب حاملاً شعار "أمريكا أولاً" ليضع مصلحة بلاده فوق أي التزام دولي أو توافق سياسي واقتصادي، هذا التحول لم يكن مجرد أسلوب شخصي في الحكم، بل شكل استفرادي بالعالم، انعكس بوضوح على النظام الدولي، والحلفاء، والخصوم، وحتى الاقتصاد العالمي.

أدى تراجع دور المؤسسات الدولية بعد انسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية مؤقتاً وتقليص الدعم المادي للأمم المتحدة، الى إعلان صريح عن تخلي الولايات المتحدة عن دورها كراعٍ لنظام متعدد الأطراف. هذا الانكفاء الأميركي منح القوى المنافسة، كالصين وروسيا، فرصة أكبر للتمدد والتموضع كقوى بديلة أو موازية في قيادة ملفات حساسة،
لكنها خلقت أزمة ثقة مع الحلفاء في أوروبا وكندا واليابان، مما عرض العلاقات الأمريكية لهزات غير مسبوقة، خاصة مع قيام ترامب بفرض رسوماً جمركية على واردات الصلب والألمنيوم من حلفائه، وتهديده لأكثر من مرة بالإنسحاب من حلف الناتو الذي يعتبره عبئاً مالياً على واشنطن، فهذه السياسة دفعت بأوروبا للتفكير جدياً في تحقيق استقلالية استراتيجية عن الولايات المتحدة، وطرحت مبادرات لتقوية الدفاع الأوروبي بعيداً عن المظلة الأمريكية.

وعلى صعيد الخصوم، اتخذ ترامب نهجاً متشدداً في مواجهة الصين عبر حرب تجارية وتكنولوجية واسعة، انعكس سلباً على سلاسل التوريد العالمية، أما إيران، فقد انسحب من الاتفاق النووي وأعاد فرض عقوبات خانقة بلغت ذروتها بإغتيال الجنرال قاسم سليماني، مما زاد حدة التوتر في الخليج، في المقابل، استفادت روسيا من ضعف الإلتزام الأمريكي بالحلف الأطلسي لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط وأوكرانيا.

تميزت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط خلال عهد ترامب بقدر كبير من الانحياز لإسرائيل، بدءاً من الاعتراف بالقدس عاصمة لها، وصولاً إلى طرح "صفقة القرن" والفيتو الجاهز على الدوام، هذا الانحياز أفقد واشنطن موقعها كوسيط نزيه في الصراع العربي الإسرائيلي، وفي الوقت ذاته تراجعت القدرة الأمريكية على ضبط الملفات الإقليمية، مما أفسح المجال لروسيا وتركيا للإنخراط بشكل أعمق في أزمات مثل سوريا وليبيا.

أحدث نهج ترامب القائم على فرض الرسوم والإنسحاب من اتفاقيات التجارة الحرة، هزات في الاقتصاد العالمي تسببت بحروب تجارية مع الصين والى إرباك الأسواق، مما دَفع كثيراً من الدول لإعادة النظر في اعتمادها المفرط على الولايات المتحدة كشريك اقتصادي رئيسي، والسعي لتنويع علاقاتها التجارية والاستثمارية.

برأيّ الشخصي، الاستفراد الأمريكي في عهد ترامب لم يحقق للولايات المتحدة موقعاً أقوى كما كان يتصور، بل أدى إلى تراجع صورتها كقائد عالمي وانحسار قدرتها على بناء التحالف وصياغة القواعد الدولية، وساهم هذا النهج في تسريع الانتقال من نظام أحادي القطبية تقوده واشنطن إلى نظام أكثر تعقيداً وتنافسية، تميل ملامحه نحو تعددية قطبية غير مستقرة.

سياسة ترامب ما زالت حاضرة حتى اليوم، وسيظل العالم يعاني من تداعيات فترة حكمه، بين إعادة رسم موازين القوى، وبروز قوى جديدة تسعى لملء الفراغ الذي خلّفه التراجع الأمريكي عن موقع القيادة المشتركة.
.











طباعة
  • المشاهدات: 10149
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
22-09-2025 08:57 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة الاتصال الحكومي بقيادة الوزير محمد المومني؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم