حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,16 سبتمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 5702

المحامي علاء مصلح الكايد يكتب: الغاء معاهدة وادي عربة

المحامي علاء مصلح الكايد يكتب: الغاء معاهدة وادي عربة

المحامي علاء مصلح الكايد يكتب: الغاء معاهدة وادي عربة

16-09-2025 12:22 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : المحامي علاء مصلح الكايد
ليس بخافٍ أن الشعوب العربية تكاد تجمع على رفض السلام والتطبيع مع إسرائيل، وتحديدا في الدول التي تحاربت معها او اشتركت قوات بلادها في الحروب ضدها، فهذه حقيقة موجودة قبل هجوم حماس في السابع من أكتوبر وما ترتب عليه من إجرام صهيوني تمارسه حكومة الاحتلال المتطرفة، بدوافع انتقامية وتوسعية وانتخابية في ذات الوقت.
والأردنّ على وجه الخصوص، صاحب أطول خط مواجهة مع دولة الاحتلال وأكبر نسبة مواطنين من أصول فلسطينية، وأبناء وأحفاد شهداء ارتقت ارواحهم دفاعا عن فلسطين، يواجه هذا الاحتقان الداخلي منذ توقيع معاهدة وادي عربة، وإزاء انفلات عقال حكومة الكيان المتطرفة الذي يقابله تعالي للأصوات الداعية الى الغاء المعاهدة من جانب المملكة، يكون من الواجب توزين المسارات ومعاينة المكاسب والمصاعب، في سبيل المفاضلة المستندة الى المنطق المنتج لا العاطفة الوجدانية فحسب.
إنّ أوّل التحديات التي ستنجم عن إلغاء المعاهدة في الظرف الراهن هو شلّ جهود إرسال المساعدات للأشقاء في قطاع غزة، فالسلام يقابله الحرب أو التوتر على أقل تقدير، وستكون طائراتنا عرضة للاستهداف حينها، اما المساعدات المرسلة برّاً فهي أوّل ما سيُمنع من قبل حكومة الاحتلال كونها ستضيّق حركة المعابر وربّما تغلقها، والتي تُلزمها المعاهدة بديمومتها، وعليه قد يُطبَق الخناق على الاشقاء في الضفة الغربية وقطاع غزة بإغلاق منفذهم الوحيد الى العالم، وكذلك حركة الأردنيين من الداخل الفلسطيني، وهذه مسألة بالغة الأهمية تستدعي التفكير فيها بلغة المنطق.
كما سيتعطل عمل المستشفيات الميدانية الأردنية في كامل أراضي الضفة والقطاع لا سيما وأنها عسكرية الطابع، فكيف ستتواجد هناك دون حالة سلام.
يضاف الى ما سبق، إنهاء اشكال التمثيل الدبلوماسي والتي تعرف عند العموم بـ “طرد السفير وإغلاق السفارة"، وهي من المسائل التي تحكمها القاعدة العامة في القانون الدولي (المعاملة بالمثل)، فالأردنيون لا يريدون سفارة لحكومة الاحتلال في بلادهم، لكن مصالح اشقائهم الفلسطينيين وكذلك الأردنيين من أصول فلسطينية من حملة البطاقات تستلزم وجود بعثة دبلوماسية تتابع معاملاتهم وما يرتبط بوثائقهم واملاكهم وتعليمهم وعلاجهم وزيارة اقربائهم، لدى المملكة او منها إلى العالم.
كما ان من بين أبرز المسائل التي تتطلب التفحص لدى اتخاذ القرار الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، فالموظفون التابعون لوزارة الأوقاف لن يعودوا قادرين على متابعة أعمالهم، وستُمعِن حكومة الاحتلال في غيّها باستهداف المصلّين وانتهاك الأماكن المقدسة بوتيرة أعلى، ولن يكون لدى الأردنّ حينها ورقة تمكّنه من عرض الأمر على الكيانات الدولية ذات الاختصاص.
وعلى ذات الصعيد العالمي، فهناك حقيقة لا ينكرها إلّا جاحد او جاهل وهي المكانة الرفيعة التي يتبؤها الأردن في المحافل الدولية كافة، وهي مكانة لم تأت من فراغ، وهي تمثل بوابة عبور للعالم أجمع، ومصداقية قولٍ مقبول ومسموع لا بل مطلوب لدى الجميع، وسيضرّ بتلك المكانة حتما انهاء معاهدة من جانب واحد سوى في حالة ان ارتكب الجانب الآخر أمراً ذو مساس بالأمن الوطني الأردني لا قدر الله، وهي في الواقع مقارنة غير متكافئة بين طرفين، احدهما ناصع السمعة مرموق المكانة وآخر لا يضيره ما يتّسخ من سمعته وما يتلطخ به كيانه من اجرام، لكنه بالنسبة لنا إرثٌ عريقٌ بُني على مدار قرن من الزمان ولا يجوز أن نفرّط فيه، ولدى دولتنا من الوعي ما يحول دون الانجرار لخدمة طموحات اليمين المتطرف باتخاذ تلك المبادرة من قبلنا وتمكينه من تسويق رواية مظلوميته الزائفة عالميّا.
لا شكّ بأن المرحلة دقيقة ومعقدة للغاية، فحكومة الاحتلال تسابق الزمن لاستثمار كل ما هو ممكن وغير ممكن من خلال سياسة الهروب الى الأمام، وهي تعلم جيدا انها ليست بقادرة على تحقيق الطموحات التلمودية المفبركة بالتوسع في الإقليم، فهي تتجنب منذ خمسين عام خوض معركة مباشرة مع أيّ جيش عربيٍّ نظاميّ، أما حماس وقبلها فتح وحزب الله ثم الحوثي ليست بالجيوش النظامية، لكن حكومة الاحتلال تسعى في ذات الوقت لإضعاف دول الإقليم وإشغالها بأزمات داخلية تبعدها عن الملف الفلسطيني، وهذا ما علينا توجيه الأنظار إليه، و لعل ما تقترفه تلك الحكومة المارقة من أذى في سوريا والضفة الغربية ومؤخرا قطر امثلة حية على صحة ذلك، ولا شكّ بأن احد أسباب اشتعال جنونها اكثر هو نجاح الدبلوماسية الأردنية والعربية في حشد الدعم الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية، فتلك خطوة لا تريدها حكومة الاحتلال لما يمهده الاعتراف الدولي من أرضية لوحدة الصف الفلسطيني وتمثيله كجسد شرعيّ واحد دوليّا، فالانقسام الفلسطيني لا يخدم إلّا الاحتلال بكلّ أسف، وها هو يسعى لتعميقه في الضفة الغربية على غرار غزة.
وعطفا على ما سلف، فأن وحدة الصف الوطني باتت اليوم ضرورة لا ترفا، ولا مكان لأيّ صوتٍ نشازٍ يسعى – عن تواطؤ او جهل – لأن يفتّ في عضد الوطن، ومن الأهمية هنا التعريج على ما شهدته المملكة على مدار عامين إلّا قليلا من فعاليات تضامن شعبية منذ السابع من أكتوبر.
وبمقارنة عاجلة، خدمت المسيرات الشعبية الرافضة لمعاهدة السلام موقف الوفد الأردني المفاوض آنذاك بصورة تناغمت فيها المواقف رغم تباينها، لكن اشكال التعبير تلك لم تسعى إلى هدم اركان الوطن او إضعاف منعته، بل تحلّت بالقدر اللازم من المسؤولية ومارست حرية التعبير المصونة دستوريا، بينما في الحراكات الأخيرة فقد اختُطفت الساحات وطغى الصوت الحاقد على الصوت الصادق، حتى باتت الشعارات والهتافات في كثير منها موجهة ضد الوطن وكأن المشاركين يهتفون ضد عدوّهم لا وطنهم، رغم الانتماء الصادق لدى غالبية من اختُطِفَت أصواتهم ومواقفهم، بل حتى مؤسسة الجيش لم تسلم من تلك السّياط المغرضة، إلى أن بات ذلك الحراك عبئا على الدولة ومعول هدم لا تعزيزٍ للموقف الرسمي كما كان يفترض فيه وان يكون، رغم كل ما تحملته الدولة حينئذ من جاهزية وكُلف وحالة طوارئ لدى كافة المرتبات الأمنية.
ومن ذات باب توزين الموقف وتقديره، علينا أن نعي قدراتنا، فالأردن بالنسبة لحكومة الاحتلال مُجرََب والكرامة شاهدة، كما أنه وطن لم ينعم بالأمن من فراغ، بل هو يحترفه حتى جاوز شفيره ارضه، فقوات حفظ السلام الأردنية مثال على ذلك، ومركز تدريب العمليات الخاصة الذي يتولى تدريب قوات الدول من شتّى اصقاع المعمورة مثال آخر، والمركز الأردني للتصميم والتطوير المختصّ بالصناعات الدفاعية وتطويرها لتواكب الحداثة، وتصدّي قواتنا المسلّحة لعصابات التهريب وحفظ سماء المملكة من ان يكون فضاءا حربيّاً لأحد كلها نماذج وأمثلة واضحة الدلالة على مدى الجاهزية القتالية والتعبوية، فنحن وإن كنّا دعاة سلام إلّا أننا نصون وطننا ونذود عن حماه، بلا إفراط ولا تفريط، ودلالة ذلك أنّ اعتى جيوش العالم تجري المناورات والتدريبات المشتركة مع جيشنا العربي المصطفوي، وتلك ميزة لا تحظى بها الجيوش الضعيفة.
باختصار، فإن الأردن رمز للاعتدال والوسطية وصوت للحكمة، وفي ذات الوقت يمثل مركزا إقليميا في الأمن والدفاع، وركن أساس في الدبلوماسية الفاعلة مع العالم أجمع، حتى المتضادّة منها.
لا شك أن المعاهدة التي سبق وأن أعلن وزير خارجيتنا قبل اكثر من عام بأنها "على الرّف" قد خضعت للمراجعة الشاملة ورُسمت سيناريوهات التعامل مع دولة الاحتلال في ضوء المستجدات الحالية و المحتملة، فمطبخ القرار في الدولة الأردنية إستراتيجيّ ولم يكُن لحظيّاً او معتمداً على سياسة ردّ الفعل في يوم من الأيام، وهذا احد أسرار الصمود التي نأت بالوطن وشعبه عن مغامرات غير محسوبة جلبت الدمار لكثير من الأنظمة، بمعنى ان استخدام ورقة المعاهدة وما يترتب عليها مدروسٌ ضمن سيناريوهات متدرجة مُعدّة مُسبقاً تأخذ بعين الاعتبار كافة التبعات وبدائلها الممكنة، ضمن الاطار العربي المشترك، لا سيما وأن الأردنّ لم يذهب للسلام وحيدا او سبّاقا، بل سبقته إليه السلطة الوطنية الفلسطينية وقبلها مصر، ولن يكون خيار الاردنّ التصعيد بمعزل عن الاشقاء، وحتى في حال أن تعرّض أمنه الوطني لخطر لا قدر الله فلن يكون وحيدا، ذلك أيضا نتاج المكانة التي يحتلها في المنطقة كما العالم.
وفي الختام، يتوجب التذكير بأن السلام بحدّ ذاته غاية نبيلة، في الإسلام وفي كافة الشرائع والتاريخ شهيد على ذلك، لكن المعاهدة اليوم أقرب لأن تكون وسيلة في ظل الحرب الدائرة ووجود حكومة متطرفة منفلتة العقال من جهة وأشقاء يحتاجون العون والإسناد من جهة أخرى وأَولى، كما من نافلة القول التذكير بأن ما قد نشهده من محاولات عبث بوحدة النسيج الاجتماعي وسلامة العقيدة الوطنية قد يتجاوز الخيال، واقعيّا وافتراضيّا، وهذا أهمّ وتدٍ علينا جميعا ان نعضّ عليه بالنواجذ، فهو ركن صمود، لكنه هدف للحكومة المتطرفة.
إنه منعطفٌ حَرِجٌ يحتاج من الجميع التحلّي بالمسؤولية كلّ من موقعه في سبيل الوطن، فهو الأوّل والآخر.
حمى الله الأردن قيادة وشعبا.

المحامي/ علاء مصلح الكايد











طباعة
  • المشاهدات: 5702
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
16-09-2025 12:22 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة الاتصال الحكومي بقيادة الوزير محمد المومني؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم